التعاون السعودي - الروسي: نقطة تحول في الصناعة النفطية
يشكل التحالف السعودي- الروسي تطوراً مهماً في الصناعة النفطية العالمية، فهو يأخذ أبعاداً دولية تتمثل بمشاركة 24 دولة منتجة في اتفاقين لخفض الإنتاج، من أجل زيادة السحب من المخزون النفطي القياسي الضاغط على الأسعار. كما يرمي إلى تمتين أواصر التعاون بين الصناعتين النفطيتين الروسية والسعودية. وبهدف توثيق التحالف صناعياً، عُقدت محادثات أوّلية بين «أرامكو السعودية» وكل من شركة «روسنفت و «لوك أويل»، إضافة إلى شركات الخدمة الهندسية النفطية الروسية. ولا يزال البحث في مرحلة الاتصالات الأولية، وانتظار دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع المقترحة.
لكن على رغم ذلك، فإن مجرد طرح هذه المشاريع على بساط البحث بين أكبر دولتين منتجتين عالمياً، فهذا يشكل سابقة في تاريخ الصناعة النفطية، وما يميز المحادثات طبيعتها البعيدة المدى. إذ يُلاحظ في اتفاقات خفض الإنتاج، أن هذه السياسة تعكس نظرة طويلة المدى لكيفية تعامل أكبر دولتين منتجتين (مجمل الطاقة الإنتاجية نحو 20 مليون برميل يومياً أو 20 في المئة من الإنتاج العالمي) مع ظاهرة النفط الصخري. إذ بدلاً من الصراع في ما بينهما للتنافس على الأسواق، بادرتا متعاونتيْن ومع أكبر عدد من الدول المنتجة إلى تبني سياسة جديدة تتعامل مع ظاهرة النفط الصخري بأقل الخسائر. وبما أن النفط الصخري صناعة جديدة ستتطور مستقبلاً، ترمي السياسة الجديدة للدولتين إلى التعامل مع هذه الظاهرة على المدى البعيد، وعدم الاكتفاء بسياسات تقليص الإنتاج الحالية. ومن نافل القول، إن الصناعات المشتركة المنوي المشاركة فيها هي ذات مدى بعيد أيضاً، ما يعني بدوره استثمارات مشتركة لعقود مقبلة.
وعبّر مسؤولون كبار في الدولتين عن تأييدهما لهذه السياسات. إذ بعد اختتام اجتماع مشترك في موسكو مطلع حزيران (يونيو) الجاري، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الدولتين «عازمتان على العمل معاً لمعالجة حالة صعبة». واعتبر ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن «الأمر المهم هو نجاحنا في بناء قاعدة صلبة ومتماسكة، لاستقرار أسواق النفط وأسعار الطاقة».
ولقيام هذا التحالف النفطي أسباب كثيرة، إذ أدى انهيار أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل إلى إنهاك اقتصاد الدولتين. وواجهت روسيا في الفترة ذاتها العقوبات الاقتصادية الغربية، ما زاد من الضائقة الاقتصادية. وشكل بروز ظاهرة صناعة النفط الصخري الأميركية تحدياً لا يُستهان به، وتحديداً لأن الولايات المتحــدة أو شركات النفط الصخري، لا يمكن أن تساهم في أي اتفاق أو تفاهم حول تحديد الإنتاج، بسبب القوانين الأميركية في هذا الشأن، لأنها تعتبر «أوبك» منظمة احتكارية (كارتل) لا يمكن الاتفاق معها على سياسات إنتاجية أو سعرية.
انطلقت مسيرة التعاون الروسي- السعودي منذ توقيع بيان مشترك لوزير النفط الروسي ألكسندر نوفاك ووزير البترول السعودي خالد الفالح، في الخامس من أيلول (سبتمبر) 2016 على هامش قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في مدينة خوانجو الصينية. وأعلنا عن اتفاقهما «للعمل معاً» لتحقيق استقرار أسعار النفط. وذكر الوزيران في البيان المشترك «إدراكهما بأن الحوار البناء والتعاون الوثيق في ما بينهما أو بالاشتراك مع المنتجين الآخرين، يُعتبر أمراً حيوياً لاستقرار سوق النفط وضمان بقاء مستويات الاستثمارات على المدى البعيد». ومن ثم اتُفق على التعاون المشترك مع المنتجين الآخرين، وعلى مواصلة التشاور حول أوضاع السوق، وتشكيل فريق عمل مشترك للمراقبة، تكون مهمته المراجعة المستمرة لأساسيات سوق النفط ويقدم توصيات بالتدابير والإجراءات المشتركة التي تؤمن استقرار الأسواق. وتمثّل هذه المبادرة سابقة في المجال النفطي الدولي، إذ تعني هذه الخطوات تعاون روسيا مع السعودية لاستقرار الأسواق، وعدم اقتصار تحمل هذه المسؤولية من قبل الأقطار الأعضاء في «أوبك» وحدها. كما يعكس البيان جواً من الثقة المتبادلة بين الطرفين، بعد سنوات من الشكوك بينهما في المجال النفطي، خصوصاً إذا التزمت موسكو تعهداتها لخفض الإنتاج.
وعاهد الطرفان استقطاب دول منتجة أخرى من داخل «أوبك» أو خارجها للمساندة في تقليص الإنتاج. وتشير الوقائع إلى نجاح التجربة بعد مرور سنة تقريباً على صدور البيان والاتفاق على خفض الإنتاج، والالتزام العالي الذي بلغ نحو 95 إلى 100 في المئة من التعهدات، وهو أمر غير مسبوق في التجارب الماضية.
وأخذ التعاون أيضاً أبعاداً صناعية ثنائية، إذ تجري المحادثات حول تأسيس صندوق مشترك للاستثمار في المشاريع المتفق عليها، وتشير المعلومات المتوافرة إلى تمويله من الصناديق السيادية في الدولتين. وعُقدت محادثات أولية مع كل من الشركتين «روسنفت» و «لوك أويل»، التي اهتمت بشراء النفط السعودي لدمجه مع نفوط أخرى في مصافيها الأوروبية وتحديداً مصفاة صقليا. كما تبدي «أرامكو السعودية» اهتماماً لشراء الغاز المسال من روسيا.
ويُذكر أن استهلاك الغاز يزداد تدريجاً في السعودية، ويشكل حتى الآن نحو 50 في المئة من الطاقة المستهلكة في البلاد، ويُنتج الغاز حالياً (الغاز المصاحب والحر) من الحقول السعودية. ويوجد مخطط لزيادة نسبة الغاز إلى 75 في المئة من الطاقة المستعملة الإجمالية (غاز محلي ومستورد). وقال الفالح لوكالة الأنباء الروسية «تاس» مطلع حزيران الجاري، «في حال أثبتت الدراسات الاقتصادية جدوى المشاريع المقترحة، سندرس عندئذ إمكان الاستثمار فيها، وبالذات إذا كان ممكناً استيراد الغاز المسال إلى السوق السعودية، التي تشكل سوقاً ضخمة له، ولدينا نقص فيه في المنطقة الغربية».
وزار الفالح مع وفد مرافق حقل «يامال» في القطب الشمالي، وتُطوّر شركة «نوفتيك» الروسية الغاز المسال منها. ويُتوقع بدء الإنتاج نهاية هذه السنة، وأن يصل إلى طاقته القصوى البالغة 16.5 مليون طن سنوياً بحلول عام 2019. وبلغت تكاليف المشروع نحو 27 بليون دولار.
الحياة 2017-06-11
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews