السوق العقارية تمطر مئات آلاف الأراضي

مرت السوق العقارية المحلية بعديد من المنعطفات المهمة طوال العامين الماضيين، بعد أن خيم عليها الجمود الأقرب إلى الشلل طوال أكثر من عقدين مضيا، تشكل وتوسع تحت مظلة جموده الطويل كثير من التشوهات "الاحتكار، المضاربة"، التي تسببت في قفز الأسعار بأكثر من عشرة أضعاف خلال العقد الأخير، إلا أنها أخيرا أصبحت تواجه واقعا مختلفا تماما عما اعتادت عليه طوال الفترة الطويلة الماضية. اليوم؛ تشهد السوق العقارية زيادة هائلة في معروض البيع من الأراضي والوحدات السكنية، يفوق حجم الطلب المحدود بعدة أضعاف، نتج عنه تصدع صخرة الأسعار المتضخمة، ويتوقع مع استمرار تفتت تلك الأسعار بصورة أكبر، نتيجة التطورات الراهنة التي تخضع لها السوق العقارية، أن تعود بمشيئة الله تعالى إلى مستوياتها العادلة، التي ابتعدت عنها لأكثر من عقدين من الزمن، تسببت في تشكل واحدة من أكبر الأزمات التنموية المحلية، ممثلة في أزمة الإسكان، التي تأكد أنها بفضل الله آيلة إلى الزوال كنتيجة حتمية للإصلاحات التي قامت بها الدولة، ونتيجة للتغيرات الاقتصادية والمالية الراهنة. تواجه السوق العقارية زحفا متزامنا لعديد من التطورات والعوامل والمتغيرات، قاومت السوق تلك المتغيرات في البداية، إلا أن قوتها ذات البأس الشديد؛ سرعان ما تهاوت أمام اتساع دائرة خصومها "التطورات والعوامل الاقتصادية والمالية، إصلاحات الدولة المحاربة للاحتكار والمضاربة"، لتبدأ الأسباب أو التشوهات الخطيرة التي أدت إلى التضخم الهائل في الأسعار، ومن ثم تفاقم أزمة الإسكان المحلية وتحولها إلى أحد أخطر التحديات التنموية المحلية، أؤكد لتبدأ مسلسلا من التراجع والانكفاء استغرق أكثر من عامين مضيا، لتدخل السوق العقارية خلال المرحلة الراهنة مرحلة أصعب من كل ما شهدته سابقا، يتوقع أن ينتج عنها مزيد من تصحيح الأسعار المتضخمة، التي يعني حدوثها تعافي السوق العقارية المحلية من الداء الأكبر الذي تعانيه، ويعني أيضا انفراج أزمة الإسكان المحلية بعودة الأسعار إلى مستويات عادلة ومنخفضة، توائم فعليا مستويات دخل الأفراد والأسر. بدأ تأثر السوق العقارية المحلية بانخفاض أسعار النفط بعد منتصف 2014، سرعان ما أضيف إلى تلك العوامل الضاغطة مع مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، بدء مؤسسة النقد العربي السعودي بتقييد شروط الإقراض العقاري "اشتراط دفع 30 في المائة من قيمة العقار"، وتزيد ضغوط تلك العوامل بصورة أكبر مع نهاية آذار (مارس) 2015 بتوصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بتطبيق الرسوم على الأراضي، أصبح نافذ التطبيق بحلول منتصف العام التالي، حتى وصلت السوق العقارية إلى مرحلة تحصيل رسومها مع مطلع العام الجاري، رافق تلك المتغيرات ارتفاع ترشيد وضبط الإنفاق الحكومي، إضافة إلى زيادة الوعي الاجتماعي بصورة لافتة طوال العامين الماضيين، ما شكل صخرة قوية في وجه كل وسائل التضليل والممارسات المخالفة التي وقف وراءها شرائح ضيقة من المستفيدين من أزمة العقار. تدخل السوق العقارية خلال الفترة الراهنة منعطفا ثقيل الوزن، تمت الإشارة إلى توقع حدوثه قبل أكثر من عامين، ممثلا في سيطرة "الهروب الكبير" لملاك الأراضي على أداء السوق العقارية، الذي تجاوز مجرد زيادة عروض بيع الأراضي والعقارات عبر وسائله التقليدية المعتادة، إلى إضافة عقد المزادات العقارية الهائلة الحجم والعدد، لتزداد حالة الإفراج عن مئات الآلاف من الأراضي الخام والمطورة على حد سواء، بعد حبس طويل الأجل لها لأكثر من عقدين من الزمن! اقترن عقد تلك المزادات بكثير من عوامل الجذب، لعل من أبرزها انخفاض أسعارها بنسب راوحت بين 20 و30 في المائة، مقارنة بالأسعار الراهنة في السوق، وشيئا فشيئا مع زيادة أعداد تلك المزادات، سرعان ما ستشهد السوق العقارية مزيدا من انخفاض الأسعار بنسب أكبر. غير أن السوق العقارية المحلية تسابق الزمن حثيثا؛ عبر عقد مزادين إلى ثلاثة مزادات عقارية كل أسبوع في المدينة الواحدة، وتوقع زيادتها مستقبلا في ظل ثبات العوامل الراهنة "انخفاض أسعار النفط، ترشيد الإنفاق الحكومي، ارتفاع معدلات الفائدة على الريال، زيادة وعي المجتمع، انخفاض مستويات السيولة المحلية، زيادة العرض العقاري، تقدم مراحل تطبيق نظام الرسوم على الأراضي، انخفاض أعداد السكان غير المواطنين، تقدم إصلاحات الدولة للهيكل الاقتصادي، إلخ"، أؤكد أنه عدا كل ما تقدم ذكره على سبيل المثال لا الحصر، ينتظر أيضا نتائج قيام وزارة الإسكان حسب توجيهات رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بإتمام اتفاقيات الشراكة مع كثير من شركات التطوير العقاري الأجنبية، لعل من أبرزها الشراكة العملاقة مع الطرف الأمريكي بنحو 100 مليار دولار أمريكي، التي لا تقل وزنا عن أي واحدة من العوامل أو المتغيرات المشار إليها أعلاه، سيؤدي تحققها قريبا إلى زيادة الضغوط على التشوهات الهائلة في السوق العقارية، ويحرر سوق العقار والإسكان بصورة أكبر مما سبق تحقيقه مقابل تلك التشوهات "الاحتكار، المضاربة"، وهو الأمر الذي يستقر التفكير والاهتمام الكبير به كعامل جديد في أذهان كل ملاك الأراضي بمساحات شاسعة. لهذا؛ فكل ما نراه اليوم من زيادة هائلة في ضخ المزادات العقارية لمئات الآلاف من الأراضي الخام والمطورة، ومثلها في العدد أو نحوه على مستوى الوحدات السكنية "شقق، فلل"، ليس إلا تحسبا لما هو أصعب وأقوى نتيجة التطورات الراهنة المتسارعة التي تعبرها سوق العقار، التي ستنصب نتائجها الإيجابية بمشيئة الله تعالى في مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وإن جاء ذلك كخسائر هائلة على حساب محتكري الأراضي والمضاربين وحتى السماسرة والوسطاء العابثين. إن ما يجري في السوق العقارية في الوقت الراهن، يعد أمرا إيجابيا يصب في مصلحة البلاد والعباد، ويؤمل بمشيئة الله تعالى أن يستمر في تطوراته وأحداثه حتى نهاية طريقه الإصلاحي، الذي رأت الدولة -أيدها الله- الضرورة القصوى لتحقيقه. بالنسبة لمن لا يزال يبحث عن تملك أرضه أو مسكنه، فلا أبعد من القول له إن جميع الظروف والتطورات تتقدم لمصلحتك، على العكس تماما ممن تورط في افتعال الأزمة العقارية والإسكانية، والمحصلة النهائية لكل ما يجري الآن، هي أولا وآخرا نتيجة الإصلاح والتطوير ومحاربة الاحتكار والممارسات المخالفة، لا يهم أحد منا من هو الخاسر منها كائنا من كان، بقدر ما يهمنا جميعا أن الرابح الأكبر منها هو الوطن والمواطن بالدرجة الأولى. والله ولي التوفيق.

الاقتصادية 2017-05-25