الاقتصاد الألماني يتجاوز أزمة اللاجئين
في 31 آب (أغسطس) 2015، وتعليقاً على قدرة ألمانيا على تجاوز أزمة اللاجئين، أعلنت المستشارة أنغيلا مركل في ندوة صحافية مقولتها الشهيرة: «نحن نستطيع أن ننجز ذلك». وفي تلك الأثناء سمح بمرور قطارات تقل آلاف اللاجئين إلى المانيا آتية من دول شرق آسيا وجنوب أوروبا. فماذا حصل بعد أقل من سنتين؟
عام 2014، شهد الاقتصاد الألماني نمواً نسبته 1,6 في المئة قياساً إلى عام 2013، وهو يمثل رابع أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بقيمة 3,9 تريليون دولار، وخامس اقتصاد في العالم لجهة إجمالي الناتج القومي طبقاً للقوة الشرائية بقيمة 3,48 تريليون دولار، وهو كذلك أكبر اقتصاد وطني في القارة الأوروبية كلها، وقد تمكنت ألمانيا من تحقيق أعلى فائض تجاري في العالم بقيمة 285 بليون دولار، ما جعلها عاصمة التصدير العالمية.
وعلى رغم أن عام 2015 انتهى بنتائج إيجابية للاقتصاد الألماني، إذ سجلت الصادرات رقماً قياسياً بلغ 1196 بليون يورو، واستطاعت موازنة الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات تحقيق فوائض مالية بلغت نحو 30 بليون يورو، إلا أن الكثير من العوامل والتطورات الاقتصادية المحلية والدولية، أثر في شكل سلبي في التوقعات الخاصة بالنمو. ومع مطلع عام 2016، انتشرت المخاوف لدى الكثير من المراقبين والمحللين الاقتصاديين، معتمدين على عوامل عدة أهمها التراجع القوي لنمو الاقتصاد الصيني الذي يعتبر ثالث أكبر شريك تجاري لألمانيا، والذي انعكس على معدل نمو الاقتصاد الدولي، إضافة إلى ارتفاع النفقات الحكومية الألمانية، والناتجة في شكل رئيس من زيادة الإنفاق الحكومي على برامج الدعم والرعاية الاجتماعية، ومنها جزء لمواجهة أزمة اللاجئين. ولكن مع نهاية العام سجل الاقتصاد الألماني مؤشرات إيجابية، منها فائض غير مسبوق في الموازنة منذ إعادة توحيد شطري ألمانيا عام 1990، إذ زادت العائدات بواقع 23,7 بليون يورو عن النفقات، وفق أرقام مكتب الإحصاء الاتحادي بمدينة فيسبادن، بفضل تدفق العائدات وتراجع البطالة، وارتفع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1,9 في المئة، مقارنة بعام 2015، متجاوزاً معدل النمو المسجل في 2014. وعزا المكتب هذا النمو في أكبر اقتصاد أوروبي إلى الاستهلاك الداخلي، وإقبال الألمان على الإنفاق، خصوصاً الحكومي لإيواء مئات الالاف من اللاجئين، وكذلك انتعاش قطاع الإعمار.
ولوحظ تراجع معدل البطالة من 6,3 إلى نحو 5,8 في المئة، وانخفاض عدد العاطلين من العمل لا سيما في الأشهر الثلاثة الأخيرة بنحو 220 ألف عامل، من 2,76 مليون في شباط ( فبراير) إلى 2,54 مليون في نيسان (أبريل)، وارتفاع عدد العاملين المسجلين في الصناديق الاجتماعية ليصل إلى 43,5 مليون، ويتوقع أن يتجاوز 44 مليوناً بنهاية العام الحالي، وقد حصل ذلك على رغم الأعداد الكبيرة للاجئين. وفي هذا الإطار يطالب اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية بتسهيل شروط هجرة اليد العاملة المتخصصة والأكاديميين إلى ألمانيا، لا سيما أن رجال الأعمال يشكون دورياً منذ زمن من المعوقات التي تحول دون استقطاب اليد العاملة الماهرة. وشدد الاتحاد على ضرورة الترويج في أنحاء العالم لسهولة الدخول إلى سوق العمل الألمانية.
ونظراً إلى أهمية العامل البشري في نمو الناتج المحلي، أظهرت دراسة حديثة لمعهد الاقتصاد الألماني «أي دابليو» بمدينة كولونيا أن تدفق اللاجئين ساهم بتنشيط الاقتصاد، وتوقعت أن يزداد إجمالي الناتج المحلي حتى عام 2020 بقيمة إجمالية تبلغ نحو 90 بليون يورو (96 بليون دولار)، مع استمرار القوة الدافعة في زيادة الإنفاق الخاص والحكومي على اللاجئين. ولكن تبرز في هذا المجال مشكلة الارتفاع المتزايد لتكاليف إدارة أزمة اللاجئين، بتغطية تكاليف الغذاء ودور الحضانة والمدارس ودروس اللغة الألمانية والتدابير الإدارية، ليصل مجموعها (وفقاً لخبراء) إلى 15 وحتى 20 بليون يورو سنوياً. وتفيد بيانات المعهد الألماني لبحوث الاقتصاد في برلين بأن كل لاجئ يكلف الدولة سنوياً نحو 12 ألف يورو، لذلك يرى رئيس المعهد مارسيل فراتشر ضرورة التمييز بين الرؤية المتوسطة المدى والآفاق البعيدة، وهو يرفض تفسير تلك النفقات لمصلحة اللاجئين كتكاليف فقط، بل ينطبق عليها «استثمار في المستقبل»، ويوضح وجهة نظره قائلاً: «لو قمنا اليوم بالاستثمار في تشييد دور الحضانة والمدارس لمصلحة أطفالنا، فإن ذلك لا يسجل كلفة، لأن هذا النوع من الاستثمار سيظهر مردوده بعد 20 أو 30 عاماً من الناحية الاقتصادية في ألمانيا». وهكذا تتمثل الإشكالية الرئيسية ليس في معرفة ما إذا كان اللاجئون يأتون بالنفع لألمانيا على المدى البعيد، بل في معرفة متى ستكون إنجازاتهم قادرة على تجاوز مستوى النفقات. وبما أن معظم اللاجئين من الشباب، وسيبقون في العمل بين 40 و50 سنة، فإن حسابات المعهد تتوقع أن تتجاوز الاستفادة منهم مستوى التكاليف بعد 5 أو 6 سنوات.
والبنك الدولي بدوره يؤيد مسيرة الهجرة الكبيرة ويراها فرصة سانحة لألمانيا التي تعاني من الشيخوخة، فمن ون مهاجرين سينخفض مستوى النمو الاقتصادي في السنوات العشر المقبلة إلى فقط 0,5 في المئة سنوياً، مع تأكيد أن النقطة الحاسمة تبقى في سرعة دمج اللاجئين في سوق العمل. ويقول أحد خبراء البنك فولكرتس لانداو: «إن نجاح الاندماج سيمنح ألمانيا فرصة لتوطيد مكانتها كقاطرة اقتصادية في أوروبا».
الحياة 2017-05-24
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews