ماذا تقول لنا المؤشرات الاقتصادية؟
صدرت الأوامر الملكية يوم السبت لتحمل مفاجآت في طبيعتها وتوقيتها، لكن الأبرز فيها هو أمر عودة البدلات والمكافآت وهو الأمر الذي أسعد كثيرا من المواطنين خصوصا ممن تأثروا من قرار الإلغاء السابق الذي صدر قبل سبعة أشهر، وهذا الموضوع له قراءات من أكثر من زاوية لكن سأركز هنا على الجانب الاقتصادي منه. عند صدور قرار الإلغاء في البداية أثر في الاقتصاد من عدة طرق منها التأثير المباشر مثل انخفاض القوة الشرائية لدى المستهلكين، ولكي نفصل أكثر التأثير المباشر لم يصب جميع المستهلكين لكن شريحة الموظفين الحكوميين، وليس جميع الموظفين الحكوميين بل الذين كانوا يتمتعون بميزة بدلات ومكافآت كبيرة قياسا على الراتب، وكتأثير غير مباشر (وكسلوك طبيعي من قبل المستهلكين بشكل عام) غيرت الشرائح التي حتى لم يتغير راتبها من سلوكها الاستهلاكي وفضلت تقليل الإنفاق كإجراء احترازي وتخوف خصوصا مع توافق هذا الخبر مع أخبار ارتفاع تكلفة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والوقود والضريبة المضافة. كل هذه الأخبار أسهمت في الضغط والتغيير في سلوك المستهلكين حتى الذين لم يتأثروا من إلغاء البدلات، ولقد اتضح ذلك من خلال قراءة مؤشر التضخم الذي "ولأول مرة" يحقق نموا سلبيا لثلاثة أشهر متتالية في إشارة سلبية وواضحة إلى وضع الاقتصاد وعن إنفاق المستهلكين، بطبيعة الحال هو ناتج عن خليط من القرارات والتعديلات في السياسة المالية السعودية وليس بسبب إلغاء البدلات فقط، وهذا الموضوع يعيدني إلى مقالي الذي كتبته قبل أكثر من شهر وكان بعنوان "السياسة المالية و«لياقة» القطاع الخاص"، وفيه ذكرت أن على الدولة مراقبة الاقتصاد وبالذات وزارة الاقتصاد عبر قياس وقراءة عدة تقارير مهمة لمعرفة حجم تأثر الاقتصاد والقطاع الخاص، ومنها وبعد تحليل المعطيات يتم (كما ذكرت في المقال) التدخل، والمقصود بالتدخل التعديل أو الإلغاء إذا لزم الأمر، وهذا الإجراء ضروري حتى لا يذهب الاقتصاد إلى مناطق يصعب انتشاله منها أو إلى هجرة أموال واستثمارات يصعب إرجاعها بسبب القرارات والتكاليف الجديدة. وبالفعل تم التدخل عبر القرار الملكي بإرجاع البدلات والمكافآت كما كانت سابقا وحسب قراءتي أن أحد أهم الأسباب كان بسبب أرقام التضخم السلبية وما يدل على ذلك تصريح وزير المالية حول قرار إعادة البدلات أن هذا القرار سيؤدي إلى حراك إيجابي من شأنه أن يضع ويعيد التضخم في مستوياته المناسبة بعد النمو السلبي. إن حديث الوزير ربط القرار بالمؤشرات الاقتصادية، ومن بينها التضخم، لهو دلالة ممتازة لفهم التأثيرات ومتابعة الأوضاع الاقتصادية والتدخل في وقت الحاجة كما كان الجميع ينتظر ذلك، ولعل هذا واحد من عدة قرارات يجب قياس آثارها وربطها بالمؤشرات الاقتصادية للحكم على جدواها أو مدى تحقيقها للأهداف المرجوة منها حسب الخطط الموجودة في البرامج التي أطلقت، اعتقد خلال الفترة القادمة يجب متابعة أوضاع الشركات ومستوى هوامش الربحية للتحقق من سلامة صحة القطاع الخاص وخصوصا الشركات التي تستهدف وتعمل في السوق المحلية، أن برامج التمويل التي ستطلقها الدولة خلال السنوات المقبلة ستساعد القطاع الخاص لكن إلى مستوى معين فلا يمكن أن يصلح التمويل قطاع هوامش أرباحه تتدهور أو أصبحت تكاليفه تفوق إيراداته أو يواجه صعوبة في ممارسة الأعمال. رغم إدراج وثيقة برنامج التوازن المالي لخطط لتحسين ممارسة الأعمال إلا أنه يجب ربطها وقياسها مع المؤشرات الاقتصادية التي تعكس نجاح هذه الخطط، ومن الأمور الخطيرة التي يجب متابعتها بشكل قوي مؤشر البطالة، الذي وصل إلى مستويات مرتفعة منذرة بتعاظم المشكلة بشكل أكبر خلال السنتين القادمتين حتى يبدأ الاقتصاد في التحسن بحلول عام 2020 كما هو متوقع بسبب اكتمال خطط برامج التوازن المالي والتحول الوطني، ختاما أشدد على ذكر أن قوة وسرعة صدور القرارات تجعلان من الصعب التنبؤ بحجم الآثار الاقتصادية وأن التراجع عن بعض القرارات يحمل فهما جيدا ومتابعة مطمئنة من المسؤولين حول تطورات الاقتصاد في حال لم توفق في تحقيق نتائجها أو لم تعد الحاجة إلى الاستمرار في تنفيذها كما حدث مع قرار إعادة البدلات والمكافآت.
الاقتصادية 2017-04-27
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews