Date : 23,04,2024, Time : 04:21:57 PM
2417 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 27 رجب 1438هـ - 24 ابريل 2017م 12:40 ص

تصدّع الأحزاب الفرنسية… تصدّع الجمهورية الخامسة

تصدّع الأحزاب الفرنسية… تصدّع الجمهورية الخامسة
وسام سعادة

ما كان متوقعاً، بالقياس على المسار الدستوري والسياسي الذي سبقها، أن تستمرّ «الجمهورية الخامسة» في فرنسا كلّ هذه العقود. في أوساط المعارضتين اليسارية واليمينية لشارل ديغول في الستينيات كانت تبدو هذه الجمهورية مرتبطة بشخص الجنرال شارل ديغول، وتنقضي ما أن يترك الحكم، ذلك أنّ مقام رئاسة الجمهورية فيها، بدا بالنسبة للمشككين بإستمرارها، غير جمهوريّ كفاية، وشبيه بالملك الحكم بين المؤسسات الدستورية في المرحلة الأورليانية (1830-1848)، ومنهم من ذهب حدّ اعتبار هذه الرئاسة المنتخبة بالاقتراع العام منذ عام 1962، ولسبعة أعوام مع امكانية تبوؤ الشخص الواحد للسدّة لولايتين متعاقبتين، استعادة للنموذج البونابرتي، «المفوّض» من الشعب، أي نموذج لوي بونابرت الذي فاز بالإنتخابات عام 1848، ليلغي الجمهورية وهو على رأسها عام 1851، فيتلقّب بنابليون الثالث، ويعلن الإمبراطورية الثانية.
لكن الجمهورية الخامسة الفرنسية عمّرت بالنتيجة، وبعد فترة المطاعن والإنتظارات السريعة بقرب انهيارها، أو بربط انتهائها برحيل ديغول، دخل الفرنسيون في «نوبة ثانية»، تركّز على عناصر قوة والإستدامة في هذه الجمهورية، بخلاف انهيار النظام البرلماني الخالص قبلها، مرة يوم هزمت الجمهورية الثالثة أمام ألمانيا، وأعلن الماريشال فيليب بيتان الغاء الجمهورية واقامة «الدولة الفرنسية» على أساس سلطوي محافظ، ومرة حين انهارت جمهورية ما بعد التحرير، «الرابعة»، جراء تخبّط مؤسساتها، وتعثّرها في معالجة قضايا انهيار الإمبراطورية الإستعمارية الفرنسية، خاصة في الجزائر.
والجمهورية الخامسة إذا عمّرت، فبفضل ما لم يكن متوقعاً في الستينيات. في الستينيات اعتبر ديغول ان ثنائية «يمين ويسار» صارت وراءنا، وصنّف نفسه وخطّه بأنّه جامع بين اليمين واليسار، بل رفض النواب الديغوليون أن يخصص لهم ركن اليمين في الجمعية الوطنية، وآثروا أن يجلسوا في مختلف الأمكنة. الديغولية أخذت على محمل الجد كونها وسطية، وكونها بوسطيتها هذه تتجاوز تاريخاً من الإنقسام الفرنسي، بين رجعيين وتقدميين، وجمهوريين وملكيين، ويساريين ويمينيين، ومؤيدين للعمل الإستعماري ومندّدين، ومؤيدين للنظام البرلماني أو للنظام الرئاسي، للرأسمالية أو للإشتراكية. حسب الديغوليون مطولاً أنّه بامكانهم ايجاد كلمة سواء لتسوية كل واحدة من هذه الإنقسامات، بشكل تجميعي، تأليفي، ينسجم مع اعطاء هالة لمؤسسة الرئاسة، في نظام دستوري يختلف الفقهاء في أمر تنسيبه، بين من يعتبره رئاسياً أولاً، كون الرئيس منتخبا من الشعب، وقادرا على حل الجمعية الوطنية، وترتبط به الحقيبتان الدفاعية والخارجية في الحكومة، بشكل مستقل إلى حد كبير عن الأوزان البرلمانية، أو من يعتبره نظاماً برلمانياً في نهاية التحليل، كون البرلمان بمقدوره أن يطرح الثقة بالحكومة ويقيلها، في حين ليس بامكان الرئيس أن يقيل وزيره الأول والحكومة.
في فترة ديغول، كانت المعارضة الإشتراكية، كما اليمينيون المعارضون للرئيس، «متواطئين» أغلب الأحيان، بحيث يصعب الحديث عن ثنائية يمين ويسار. هذه الثنائية فرضت نفسها على الحياة السياسية بعد ذلك، حين لم يعد ممكناً للديغوليين أن يحافظوا على وسطيتهم، وصاروا التيار الأكبر في اليمين، وصاروا شيعاً مختلفة، منها ما هو أقرب لالتزامات الدولة الاجتماعية، ومنها ما هو أقرب لليبرالية الاقتصادية.
وحين تمكّن اليسار من ايصال فرنسوا ميتران إلى الإليزيه عام 19811، وكانت هذه هي اللحظة الأكثر انتصارية في تاريخ اليسار الفرنسي بعد لحظة انتصار «الجبهة الشعبية» وترؤس ليون بلوم للحكومة عام 1936. قبل العام 1981، لم تكن ثنائية يمين ويسار قابضة على مجمل الحياة السياسية الفرنسية. بعد هذا العام، ستعرف هذه الثنائية مسارات عدّة، منها عدم تمكن الحكومة الاشتراكية من الالتزام بوعود التغيير الجذري لنمط عيش الفرنسيين مطلع الثمانينيات، ثم تجربة المساكنات بين حكومة يمينية ورئيس يساري (ثم العكس). لكن بالمجمل، ما بين العام 1981 و2002، يمكن القول ان «ثنائية يسار ويمين» حكمت المشهد الفرنسي أكثر مما قبل هذه الفترة أو بعدها. تصدّع هذا الأمر عام 2002، باخراج رئيس الوزراء الأسبق ليونيل جوسبان من السباق، وحصر الدورة الثانية بين اليمين وأقصى اليمين.
عودة اليسار إلى الرئاسة، مع فرنسوا أولاند، عام 2012، لم يكن فيها ما يذكر بالأجواء الاحتفالية التي تلت فوز ميتران عام 1981. عام 1981، كان ثمّة طبقة عاملة سعيدة بالنتائج، تأمل خيراً في الوعود المقدّمة. أما عام 2012، فقد الوصل هذا اليسار من دون «جميلة» الطبقة العاملة، التي أخذت منذ منتصف التسعينيات، تعطي أكثر من ثلث أصواتها لليمين القومي، أي تعطي «الجبهة الوطنية» بقيادة آل لوبان، ما كان يعطي لـ»الحزب الشيوعي» في القرن الماضي.
مع الانتخابات الرئاسية الحالية، تصل ثنائية يمين ويسار على الطريقة الفرنسية إلى نوع آخر من المساءلة حول راهنيتها ودلالتها. اولا لأن اليمين واليسار «المؤسساتيين» اعتمدا «الوصفة الأمريكية» في اجراء انتخابات تمهيدية لاختيار مرشحيهما، فكانت النتيجة ضمن اليسار، عدم احترام الخاسر في التمهيديات (مانويل فالس) للنتائج (فوز بونوا أمون)، وعدم احتكام ايمانويل ماكرون وجان لوك ميلانشون أساساً لصنادق التمهيديات، بحيث أننا أمام مرشح كسب التمهيديات، لكنه اليوم مصنف خامس من حيث حظوظه الانتخابية، قبل ظهور النتائج. كل هذا، والانتخابات التشريعية على الأبواب، مباشرة بعد الرئاسية، فهذه كانت فحوى تعديل 2000 الدستوري الذي خفض ولاية الرئيس إلى خمس سنوات، لمرتين اذا استطاع، مع ربطها بانتخابات تشريعية تعقبها. المفارقة اليوم، ان المرشحين الأبرز في اليسار، ماكرون ثم ميلانشون، لا يملكون ماكينات حزبية يمكن التعويل عليها في الانتخابات التشريعية بعد شهر، في حين الظاهرتين من شأنهما دفع تركيبة الحزب الإشتراكي إلى منتهى التصدّع، بنتيجة تهميش نتائج تمهيدياته والمرشح الفائز في هذه التمهيديات. في مكان ما، نجح اليسار في الافلات من تحويل هذه الانتخابات إلى استفتاء محاسبة لفترة أولاند (أقله من حيث عناوين الحملات والسجالات، ولم تقفل الصناديق بعد حين كتابة هذه السطور). لكنه نجاح له جانبه العكسي أيضاً: انتفاخة ظاهرة ماكرون تأتي على ما بقي من حزب اشتراكي، وانتفاخة ظاهرة ميلانشون تسحب مبرر الاستمرار بالنسبة إلى الحزب الشيوعي الذي بات من جملة من يتشكل النسيج الداعم لميلانشون منهم.
فإذا وضعنا بعين الحسبان، أنّ الحزب اليميني الجامع، الذي يبدّل اسمه كل سنتين، والذي عمّده نيكولا ساركوزي باسم «الجمهوريون»، لم يفلح هو الآخر في تجديد التجربة الحزبية لليمين والوسط، فإنّ جانباً مما هو حاصل اليوم هو تخلّع تجربة الأحزاب الفرنسية. أرادت هذه الأحزاب أن تكون انتخابية، تضبط ساعتها على ايقاع انتخابات عديدة، تشريعية، رئاسية، بلدية، مناطقية، اوروبية، واستفتاءات، فكانت النتيجة، ان هذا الايقاع فرط عقدها كأحزاب، وليست هذه حال الأحزاب الإنتخابية في الولايات المتحدة، فالحزب الجمهوري نجح بالنتيجة في «تحمل» ثم «تبني» ظاهرة دونالد ترامب، وليست هي حال الأحزاب البريطانية، التي يستوعبها النظام البرلماني إلى حد كبير، ولا ظاهرة الأحزاب الألمانية، التي تتشكل كل واحدة منها على قاعدة جهاز مؤسساتي واسع.
المفارقة، أنّه وفي وقت يشار اليه إلى مارين لوبان على انها ظاهرة «شعبوية»، فإنّه يجري اغفال «شعبوية الآخرين». بمعنى أن المرشحين الآخرين يشكلون ظواهر لم تعد مرتبطة بقنوات حزبية، بل إمّا وضعت هذه القنوات في جيبها، وإما قفزت فوقها. على الأقل، لوبان توازن بين «حزبيتها» و»شعبويتها».
ما كان الجمهورية الخامسة تربط نفسها أيام ديغول بنظام الأحزاب، بقدر ما كانت تربط نفسها بموقع الرئيس الحكم بين المؤسسات، على رأس السلطة التنفيذية، والمتمتع بالتفويض الشعبي.
وما كان للجمهورية الخامسة أن تستمر بعد ديغول الا باستيعابها لنوع من نظام أحزاب، شكلت ثنائية يمين ويسار لولبه لعقود من الزمن.
اليوم، يتصدّع نظام الأحزاب الفرنسية هذا. من دون أن يكون واضحاً كيف للجمهورية الخامسة أن تعوضه ببدائل أخرى؟ ومن دون أن يكون واضحاً كذلك الأمر، كيف يمكن لدعوات تجاوز النظام الحالي (الى رئاسي في حالة لوبان، والى برلماني في حالتي أمون وميلانشون، بتضمينات مختلفة) أن تكون مؤثرة على المسار، والأهم من دون أن يكون واضحاً كيف يمكن للانتخابات الرئاسية الحالية أن تتكامل مع التشريعية التي تعقبها، فلا يكون الناخبون عملياً قد انتخبوا رئيساً، ثم أعاقوا عمله مباشرة بعد أسابيع قليلة.

القدس العربي 2017-04-24




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد