الحشد الشعبي وأحلام اليقظة لدى ترامب والعرب
دوشتنا الإدارة الأمريكية الجديدة في تصنيفاتها وتصريحاتها المختلفة ، مرة عن الأسد الذي قالت مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة إنه لا يشكل أولوية لبلادها قبل أن يصدر توضيح غير مقنع ويؤكد أنه مجرم حرب ، وحتى هذا التوضيح سرعان من نسفه المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر الذي قال : " هناك واقع سياسي علينا أن نتقبله، عندما يتعلق الأمر بما هو الوضع عليه الآن في سوريا " .. وتارة عن الحوثيين عندما يقول ترامب إنهم جماعة إرهابية بينما ينشط مبعوث الأمم المتحدة ومفوضي حقوق الإنسان في صعدة وفي غيرها ويمتنعون عن زيارة تعز بدعوى منعهم من ذلك ، مع ما نعرفه من نفوذ لواشنطن على المنظمة الأممية ، وطورا آخر عن قلق أمريكا من الحشد الشعبي الشيعي الذي يوالي إيران ويعمل : "عميلا " لديها في العراق .
وهذا الأخير ، الحشد الشعبي ، هو محور حديثي هذا الأسبوع لكون سيله بلغ الزبى وأصبح الآمر الناهي في العراق ، وبات الشيعة العرب من غير المعتقدين بالولي الفقيه منبوذين جائعين عاطلين عن العمل ومستغلين ومهددين بالقتل والإغتيال كما ألمح مقتدى الصدر في خطبته الشهيرة قبل أيام دون أن نبرئه من تواصله مع ملالي قم .
وإذا كانت واشنطن تعبر عن قلقها من هذا الحشد الشيعي فإن طائراتها في سماء الموصل تدحض هذا القلق المزعوم ، لأنها هي التي توفر له الحماية والغطاء ، وهذا أمر مقطوع به ومحسوم ، بل واعترف به متحدث باسم قوات التحالف الذي قال إن الضربة الأخيرة على موصل الجديدة والتي راح ضحيتها دفعة واحدة 500 شخص ( ارتفع العدد الجمعة إلى 700 ) كانت بتوجيهات أرضية من القوات العراقية ، وإذا علمنا بأن للأمريكان أحداثياتهم ورجالهم وجنودهم على الأرض ندرك - بداهة - بأن أي عراقي لا يعطي أحداثيات إلى الطائرات مباشرة كما يقول خبراء بل إلى الأمريكان الذين على الأرض ، وهؤلاء هم من يقومون بالمهمة ، ومن هنا تتضح الصورة أكثر ، وتصبح الحال بموجب ذلك حالا واحدة ، تماما كما هو واضح الآن في العراق ، وكما كان ولا زال واضحا في سوريا من خلال تحالف الولايات المتحدة مع قوات الحماية الكردية ،على حساب حليف أساس في حلف الناتو وهو تركيا التي أدركت مؤخرا ، أن الأمريكان يفضلون الأكراد عليها وهو ما دعاها لانهاء مهمة درع الفرات رسميا .
وإذا كان حيدر العبادي يطلق تصريحات يمينا وشمالا حول ملف الحشد الشعبي ، فإنه نفسه الذي قال في أمريكا قولا وفي بغداد بعد عودته قولا آخر مناقضا ، وفي ذكرى مقتل الحكيم ، عميل إيران الكبير قولا ثالثا ، حين أطلق تهديده الذي قال فيه إنه سيقطع اليد التي تمتد للحشد الشعبي .
ندرك تماما أن ثقافة ترامب الضحلة لا تؤهله لإدراك أن هناك شيئا يسمى " التقية " وأن حيدر العبادي هو جزء لا يتجزأ من حزب الدعوة الذي ثار عليه العراقيون ولكنهم عاجزون عن استئصاله بسبب نفوذ إيران وبطش ميليشاتها في عموم العراق .
وكلنا شاهد قبل أيام عبر موقع اليوتيوب ، كيف أن شابا عراقيا تحدث مع قناة شيعية متحسرا على أيام صدام حسين وأن الميليشيات التي هي مافيات أهلكت الحرث والنسل .
إن الولايات المتحدة التي يبدو أن إدارتها الجديدة تريد أن تنفض عنها غبار سياسة أوباما الجبانة في المنطقة لا تستطيع ولن تستطيع أن تكون أكثر شجاعة وتضغط لحل الحشد الشعبي الذي بات بقرار برلماني وحكومي رسمي جزءا لا يتجزأ من الجيش العراقي ، من جهة ، وبات قوة تعدادها 100 ألف كلها موالية لإيران ومبايعة خامنئي على أنه الولي الفقيه ، نائب المهدي المنتظر المزعوم من جهة أخرى .
كما وإن الأذكياء فقط يعتبرون أن أي خطوة تتخذها الحكومة العراقية بشأن الحشد الشعبي هي خطوة خطيرة العواقب ، فطهران لن تسمح بسهولة بإلغاء حشدها " حرسها الثوري في العراق " يعينها في ذلك التركيبة الجديدة لهذا البلد بعد احتلال 2003 وهو ما تبدى في كلمة العبادي عن الحشد يوم السبت .
إن الحشد الشعبي في العراق بات حقيقة واقعة لا يستطيع ترامب تجاهلها ولن يجرؤ العبادي ولا غيره على تغييرها أو إضعافها ، سواء تم القضاء على داعش أم لا ، بل إن تحرير الموصل من التنظيم الإرهابي قد يكون بوابة جهنم الحقيقية التي تنفتح على حرب - شيعية - شيعية يلوح دخانها في الأفق ، وهو أفق ملبد بالغيوم والضباب والنار ، وإن غداء لناظره قريب .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews