400مليار جنيه.. فى رقبة مَنْ؟!
جي بي سي نيوز:- بعيدا عن سياسة «الترقيع» «والقص واللزق» فان مصر الآن تسير فى إطار سياسة إصلاح اقتصادى حقيقي.. صحيح أنه مؤلم، لكنه الألم المؤدى إلى الشفاء التام ان شاء الله.. وإذا كنا نتحدث عن الألم ومحاولة تخفيفه فإن هناك محاور عديدة يمكن اللجوء اليها لتخفيف الألم وسرعة العلاج، واكبر نموذج لذلك ما جاء فى الحوار الذى أدلى به عمرو المنير نائب وزير المالية للسياسات الضريبية، والذى أشار فيه إلى أن حجم التهرب الضريبى فى مصر يصل إلى نحو 400 مليار جنيه.. أى حوالى 22 مليار دولار بسعر السوق الآن.. أى ضعف القروض والمنح التى حصلت عليها مصر أخيرا.
تخيلوا الرقم 400 مليار جنيه حجم التهرب الضريبى سنويا، وهو مبلغ ضخم يسهم فى سد عجز الموازنة ويؤدى إلى زيادة وتحسين الخدمات والمرافق الحكومية، ومد شبكات الطرق والصرف الصحي، والنهوض بالعملية التعليمية، وزيادة مخصصات الصحة والتعليم، وتوفير شبكة حماية أفضل لمحدودى الدخل والفقراء، ومد مظلة التأمينات والرعاية الأجتماعية لقطاع كبير من المحرومين من هذه الخدمات.
أعترف نائب الوزير بأن هناك نوعين من التهرب: الأول يتمثل فى الممولين من داخل المنظومة الضريبية الذين لايقدمون بيانات حقيقية ويلجأون إلى الخدع وتقديم بيانات وأرقام «مزيفة» للتهرب من الضرائب، والنوع الثانى ويتمثل فى هؤلاء غير المسجلين بالمنظومة الضريبية مثل الكثيرين من العاملين فى المهن الحرة حيث لاتتجاوز حصيلة ضرائب المهن الحرة 1% من إجمالى الضرائب التى يتم تحصيلها بالأضافة إلى هؤلاء العاملين فى مجال التصرفات العقارية حيث يقدر حجم التهرب فى ذلك المجال بالمليارات، وإلى جوار هؤلاء هناك الكثير من الأنشطة الصناعية والتجارية غير المسجلة والتى يطلق عليها الاقتصاد الموازى أو غير الرسمى أو «بير السلم»، وكلها مصطلحات تطلق على هذه النوعية من النشاطات التى تمثل تقريبا نحو 50% من إجمالى الناتج القومي.
هذه الارقام والحقائق التى أطلقها نائب الوزير والتى كانت معلومة من قبل لكن الميزة هذه المرة أن الحكومة باتت تعترف بالمشكلة، وبدأت تتنبه اليها بعد ان كانت تتجاهلها وتترك الحديث للخبراء والمختصين، وتكتفى هى بالصمت، فلاهى تؤكد ولاهى ترفض، وبالتالى فان إعتراف الحكومة بالمشكلة يأتى فى اطار خطة الدولة للإصلاح الاقتصادى الحقيقى البعيد عن «القص واللزق» الذى كان متبعا من قبل، لكن يبقى التنفيذ وهذا هو المهم فهذه الأموال المهدرة فى رقبة الحكومة ولا أحد غيرها وهى وحدها القادرة على إعداد برامج ضرائبية حديثة، متطورة تحقق العدالة الضريبية لكل المصريين، وفى ذات الوقت تستطيع الحكومة بهذه الحصيلة الضخمة المتوقعة تخفيف آثار الاصلاح الاقتصادى إلى إدنى حد ممكن فى القريب العاجل إذا أحسنت استخدام كل هذه الموارد، وفى الوقت ذاته فإنه بزيادة الحصيلة الضريبية فاننا سوف نقلل اعتمادنا على القروض الأجنبية التى باتت تؤرق الكثيرين ممن يخشون على مستقبل الأجيال القادمة، وطالما توافرت الموارد المحلية، فلن نحتاج إلى طلب القروض إلا فى أضيق نطاق ممكن.
الاصلاح الضريبى يجب أن يكون محورا اساسيا ورئيسيا من محاور الإصلاح الاقتصادى فالنظام الضريبى الحالى «عاجز» «وعقيم»، ويسهم فى زيادة حالات التهرب الضريبي، كما أن مصلحة الضرائب تحتاج إلى اعادة هيكلة «وهزة عنيفة» لإعادة تقييم العاملين فيها، وربط الأجور والحوافز بالانتاج والانجاز الفعلى بعيدا عن التسيب والاهمال، وفى الوقت نفسه بعيدا عن التقديرات الجزافية أو ظلم الممولين والتعسف معهم، فلا هذا مطلوبا ولاذاك، وإنما المطلوب هو تحقيق العدالة الضريبية بشكل عادل وشفاف، فأهلا بالمليونيرات والمليارديرات بشرط الالتزام بدفع حقوق الدولة مثلما تدفعها تلك الفئات التى يتم خصم الضرائب منها قبل تقاضى أجورهم ورواتبهم مثل كل العاملين فى الدولة والحكومة والبنوك والشركات العامة والخاصة والقضاة وغيرهم من الفئات التى تتقاضى رواتبهم وأجورهم بمستندات شهرية وكشوف واضحة ومحددة.
يبقى بعد ذلك سرعة تقديم قانون الإجراءات الضريبية الموحد للبرلمان بما يضمن وجود سياسة ضريبية مستقرة وموحدة وواضحة المعالم تطبق على جميع المواطنين والمستثمرين المحليين والاجانب الخاضعين للضرائب، وأتمنى لو تم ربط بطاقات الرقم القومى بالملفات الضريبية بحيث لاتجدد البطاقات إلا إذا كانت هناك موافقة من مصلحة الضرائب على التجديد للخاضعين للضريبة، ويتم تحويل المتهربين تلقائيا إلى المحاكمة وعدم تجديد البطاقات لهم إلا بموافقة مصلحة الضرائب، وفى الوقت نفسه لابد من تشديد عقوبات التهرب الضريبى إلى الحبس والغرامات الباهظة، وأن تكون جرائم التهرب الضريبى من الجرائم المخلة بالشرف بحيث لايستطيع من ارتكبها ممارسة العمل العام أو الترشح للانتخابات.
على الحكومة سرعة تقديم القانون للحوار المجتمعى أولا لضمان اكبر قدر من النقاش حوله لتوعية كل المواطنين به، ثم الدفع به إلى البرلمان لإنجازه قبل نهاية السنة المالية الحالية ليتم تطبيقه اعتبارا من السنة المالية الجديدة التى تبدأ فى يوليو المقبل.
الاهرام المصرية 2017-01-15
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews