الدعم والأجور.. بين المواطن والحكومة..!!
جي بي سي نيوز:- في العام الجديد يتطلع الشعب المصري إلي ظروف معيشية أفضل. يستطيع أن يجد غذاءه ودواءه وتعليمه بلا معاناة ولا استغلال ولا غلاء فاحش.. ينتظر من الحكومة أن تجيبه عن السؤال الصعب: متي ستنقشع غمة التداعيات الأليمة لقراراتها الاقتصادية الأخيرة.. متي سيتوقف صعود الدولار المبرر أحيانًا وغير المبرر في أحايين كثيرة. متي ستستقر الأسعار التي ترتفع في اليوم الواحد مرة أو أكثر لسلعة واحدة.. متي ستفي الحكومة بوعودها بتوفير سلع أساسية لا يمكن الاستغناء عنها كالسكر والأرز والدواء وغيرها بأسعار مناسبة لا تحمِّل الناس مزيدًا من المتاعب والضغوط.
الشعب موش ناقص أعباء إضافية وكفاية عليه اللي هو فيه. فلا يكاد يخرج من أزمة حتي تلاحقه أخري. فالبطالة تخيم علي أكثر الأسر المصرية التي لا يجد أحد أبنائها علي الأقل فرصة عمل مناسبة تعوض ما أنفقته أسرهم من تكاليف باهظة علي تعليمهم وصحتهم. ولا تجد دخولاً مناسبة لملاحقة الزيادات المستمرة في أسعار السلع والخدمات بلا رقيب ولا حسيب.. والأنكي أن حكومتنا لا تزال علي قناعتها بأن تلك الدخول معقولة وكافية لمواجهة جنون الأسعار وجشع التجار وارتفاع التضخم. بخلاف ما يتكبدونه من مصاريف كبيرة تذهب للدروس الخصوصية والعلاج في ظل تدني منظومتي الصحة والتعليم باعتراف الحكومة ذاتها. ناهيك عن مشكلة المرور وفوضي الشارع من عنف وبلطجة واعتداء علي القانون وغيرها من المنغصات اليومية.
قضية الدعم وضمان توصيله لمستحقيه أكثر الموضوعات استهلاكًا لوقت الحكومات المتعاقبة والرأي العام. وقد أحدثت جدلاً كبيرًا حول جدوي الدعم بصورته الراهنة أو تقديم الدعم العيني الذي يضمن عدم مزاحمة الأغنياء للفقراء عليه» لكن الملف لا يزال علي حالته مع الاعتراف بشجاعة الحكومة الحالية في الإقدام علي خفض دعم الوقود مع الإبقاء علي دعم الخبز. وهو الملف الشائك الذي ترددت الحكومات المتعاقبة من لدن ثورة يوليو 1952 في المساس به» خشية تكرار ما حدث في انتفاضة الخبز إلي سماها الرئيس الراحل أنور السادات ¢ انتفاضة الحرامية ¢. ربما تراجعت الحكومة عن الإقدام علي خطوة ¢ الملف العيني ¢ حرصًا علي تعميق الحوار المجتمعي حوله. أو تحقيقًا للتوافق والرضا عن إجراءاتها. وربما تحسبًا لانتقادات المعارضة. وتجنبًا لمزايداتها رغم ما ينطوي عليه التأجيل من تداعيات سلبية علي أدائها الاقتصادي. وتأخر توجيه فائض الدعم لإصلاح عاجل لقطاعي التعليم والصحة وربما يصبح السؤال ضروريًا عن مصير كروت البنزين وتنقية بطاقات التموين من المتوفين والأثرياء الذين يُصرف لهم سلع تموينية دون وجه حق علي حساب الفقراء ومحدودي الدخل.
ويبدو طبيعيًا في سياق ارتفاع الأسعار والتضخم أن تظهر مطالبات بزيادة مماثلة في الدخول والأجور.. لكن ثمة تخوفات مقابلة تبديها الحكومة وبعض خبراء الاقتصاد.. فمن يضمن ألا تقابل زيادة الأجور زيادة مضاعفة في الأسعار. تفوق أي قدرة شرائية للمواطن الذي يقع دائمًا فريسة في براثن الجشع والاستهلاك في غيبة الردع القانوني والرقابة الحقيقية المستدامة.
لا شك أن الزيادة في الأجور باتت مطلبًا عاجلاً وعادلاً لكن بشروط وضوابط قادرة علي وقف فلتان الأسواق وسيولتها.. فعلي الرغم من أن العرض والطلب وعدم تدخل الحكومات في فرض تسعيرة جبرية للسلع والخدمات من أهم مقومات اقتصاد السوق الحرة فإن ذلك لا يمنع حكومتنا من التدخل بإحكام الرقابة وتحديد هامش ربح معقول وزيادة حقيقية في الإنتاج والتصدير والموارد بما يمنح السوق مرونة كافية واستقرارًا يحول دون الاحتكار والتعطيش اللذين يتحكمان في فرض أسعار مغالي فيها لسلع استراتيجية تلهب ظهر المواطن. وتخلق عشوائية مفرطة تضر باقتصاد الدولة. وتحمِّل ميزانيتها بأعباء ضخمة حين تضطر الحكومة لاستيراد سلع بعينها لسد النقص في السوق. كما حدث في أزمة السكر والدواء مع ارتفاع أسعار الدولار.
تنظيم الأسواق وفق معايير وضوابط اقتصاد السوق بشفافية وحزم هو أهم واجبات الحكومة في ظل النظام الرأسمالي. وإذا أخفقت في ذلك فهي مقصرة. ومن ثم فقد آن الأوان أن تتدخل حكومتنا لتفعيل قانون حماية المستهلك ومنع الغش والاحتكار والمغالاة في الأسعار التي يمارسها البعض دون رادع من ضمير أو قانون.. علي الحكومة أن تتدخل ليس بفرض تسعيرة جبرية فات أوانها ولكن بمراقبة السوق وتقليل الحلقات الوسيطة في النقل والبيع.. فما دامت الحكومة تتدخل لتحديد الزيادات في الأجور أحيانًا والأسعار أحيانَا أخري فعليها بالقدر ذاته التدخل لتوفير بيئة ملائمة تضمن كفاية تلك الأجور للاحتياجات ومواءمتها للزيادات المستجدة في الأسعار دون الإخلال بمبادئ اقتصادية بديهية.. لكن أن تترك المستهلك نهبًا للمستوردين تارة. والمنتجين والتجار تارة أخري فهذا يخلق احتقانات اجتماعية تهدد -إذا استمرت بلا رادع- السلم الاجتماعي في مقتل.. فالأسعار لن تنخفض بمناشدة ضمائر المسيطرين علي الأسواق. وإنما بسلطان القانون وسيادته علي الجميع دون استثناء.. والدليل علي ذلك أنه رغم انخفاض أسعار بعض السلع عالميًا فإنها تبقي هنا علي غلائها الفاحش دون توقف. بل الأدهي أن ثمة سلعًا تنتج محليًا لا علاقة لها بالدولار ترتفع هي الأخري بذريعة ارتفاع هذا الدولار.. والخلل هنا ليس في فساد الذمم والضمائر بل في تقاعس الحكومة عن أداء دورها وأوجب واجباتها في حماية الضعفاء من تغول الأقوياء. وكذلك غياب جمعيات المستهلك وجهازه الذي لا نري لهما أثرًا في ظل هذه الفوضي العاصفة.
ولا يتوقعنَّ أحد أن تستقيم الأمور بهذه الصورة التي نراها » حيث تختل كفتا الميزان. بين ترك المواطن نهبًا للغلاء والجشع من ناحية. وضعف الموارد والأجور من جهة أخري.. فهل يمكن لهذا المواطن أن يصمد في ظل هذه الفجوة التي نتسع يومًا بعد الآخر. ومن يعوض هذه الخسارة.. أتصور أن الحكومة تتحمل المسئولية في حماية الشعب من الغلاء والاستغلال الاقتصادي.. وأحري بالبرلمان أن يلزمها بذلك إن هي تقاعست.. وإلا سنجد أنفسنا في مواجهة عواصف المجهول.. فالبطون الجائعة لا يمكن توقع ردود أفعالها ولا منتهي غضبتها.. الحكومة والبرلمان مطالبان بإعادة التوازن والاطمئنان والثقة لقلوب المواطنين بأسرع طريقة ممكنة.
الجمهورية 2017-01-12
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews