إعلام على الطريقة المصرية

جى بي سي نيوز - لا يملك أىُّ أحدٍ منا الفرصة أو المبرر أو الحق فى ادعاء أن إعلامنا أقوى من الإعلام الأمريكى أو الأوروبى.. الإعلام بكل أشكاله ووسائله ومجالاته، سواء كان إعلاما سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو حتى رياضيا أيضا.. ولا أقصد بالقوة هنا الإمكانات فقط أو الرواج والربح المادى إن كان هناك إعلام فى بلادنا لا يزال قادرا على تحقيق أى ربح.. إنما أقصد بالقوة القدرة على التأثير والإقناع والمتابعة والرصد وكشف الحقائق ومواجهة الإخطاء والعيوب.. وهناك بالتأكيد من يقومون بذلك فى إعلامنا ويحاولون ويجتهدون ويتعبون من أجل الحق والنور والعدل والإنصاف.. لكنهم ليسوا الأغلبية للأسف الشديد.. والمشكلة الحقيقية هى أن إعلامنا بكل ضعفه وارتباكه وحساباته الخاصة ومصالحه الشخصية لا يزال يمنح نفسه حقوقا لا يملكها أى إعلام أمريكى أو أوروبى.. الإعلام فى بلادنا لا يزال يُصرّ على القيام بأدوار ليست له وليس من الصواب أو المنطقى أن يقوم بها.. الإعلام عندنا يصر على أن يكون بديلا لكل وأى مسؤول، ليصبح الإعلاميون هم وحدهم أصحاب السلطة والقرار.. يصر على أن يكون بديلا للنيابة ورجالها وتحقيقاتها.. وبديلا للقضاء ومحاكماته.. بديلا للأمن ويقوم هو بتنفيذ الأحكام.. ففى كل قضايا السياسة والاقتصاد، الإعلام هو الذى يحقق ويقرر.. وإما يقبل المسؤولون قرارات وأحكام الإعلام، أو يتهمهم الإعلام بالخيانة والفساد والفشل والضعف.. وفى قضية شركة هاينز، على سبيل المثال، كان الإعلام وحده هو الذى يحقق ويصدر أحكام الإدانة أو البراءة.. وفى الرياضة أيضا، لا اتحاد كرة أو أندية أو لجنة أوليمبية.. إنما هناك فقط إعلام هو الذى يقرر ويختار من يستحق التصفيق والإعجاب والمديح أو الهجوم والشتيمة والسخرية والإهانة.. وهو منطق لا وجود له فى العالم حولنا.. فليست هناك رياضة تُدار فقط بإعلامها.. وليست هناك أيضا دولة واحدة ناجحة ومستقرة يديرها إعلامها.. ولا يمكن تبرئة عموم الناس من هذا الوضع الخاطئ والمرتبك.. فالناس هم الذين خلقوا هذا المناخ، وهم الذين أعطوا الإعلام هذه المكانة والقوة التى لا يستحقها أو يملكها أى إعلام فى العالم.. الناس فى بلادنا سعداء بذلك، رغم أنهم وحدهم الذين سيدفعون ثمن ذلك بكل فداحته وفواتيره القاسية.. فأصبح أصحاب الأصوات الهادئة لا مكان لهم وسط طوفان التشنج والصراخ والحديث بالحواجب والأكتاف.. ولم يعد هناك مكان لمن يرون أنفسهم بشرا قد يخطئون أو يصيبون، لكنهم فى كل الأحوال لا يملكون اليقين والحقيقة المطلقة.. ولم يعد هناك مكان لمن يملك الرغبة الحقيقية فى المعرفة وشجاعة الاعتذار عند ارتكاب الخطأ، ومن لا يرِد أن يصبح قاضيا لا تعليق على أحكامه أو مراجعة لها.. لم يعد هناك مكان لمن يريد أن يصغى لكل الأطراف دون أى حسابات خاصة وأحكام مسبقة.. فالناس أيضا أصبحوا كذلك.. وإذا كان حقيقيا جدا أن الناس هم الذين يصنعون قادتهم وإعلامهم.. فالناس فى بلادى هم الذين صنعوا قادتهم وإعلامهم، وهم الذين سيلعنونهم بعد ذلك.( المصر اليوم - 2016.12.10 )