الإصلاح الاقتصادي بالبندول
حدثني أحد الأصدقاء من ذوي الخبرة بالمنظمات الدولية ودهاليز العمل بها عن وصفة الإصلاح الاقتصادي الجاهزة والمطبوعة والتي تعطى لكل مريض يسوقه قدره لطلب الفحص والعلاج، سواء من المستوصف أو من المنظمات الدولية، وذكر لي بكل شفافية أن علل الاقتصاد بمعظم الدول تكاد تكون متشابهة، لذلك فإن العلاج الموحد هو الحل من وجهة نظرهم وتكاد تكون وصفة الإصلاح الاقتصادي لا تخرج عن رفع الدعم عن المحروقات وخصخصة الخدمات، ومحاربة الفساد والحوكمة.. إلخ
وهي وصفة جاهزة من المنظمات الدولية للاقتصاد العليل الذي تسوقه الأقدار لطلب النصيحة تماما مثل المريض الذي يقف أمام الصيدلي في المستوصف ليأخذ كيس البندول، ويفاجأ بأن من حوله يأخذون نفس الكيس بالرغم من الاختلافات بينهم، سواء من حيث العمر أو الجنس أو الحالة المرضية، ولكن المريض الذكي الحريص على ما تبقى له من عمره يتخلص من الوصفة السخيفة في أقرب صندوق مهملات، أما المرضى الآخرون فقد يأخذون البندول بسذاجة، ويستمرون عليه ولا فائدة، وأخشى ما يخشاه أي مريض أن يدفع حياته وصحته ثمنا لأخطاء طبية من مبتدئين، وهو ما يحدث لاقتصاديات تثق ثقة عمياء في الوصفات الجاهزة للإصلاح الاقتصادي، وتتسرع في اتخاذ قرارات مصيرية، سواء لزيادة أسعار الوقود، أو لخصخصة الخدمات مثل ما يروج له الآن لخصخصة مستشفى جابر تحت مسميات مختلفة، وهذا الانصياع الأعمى لوصفات الإصلاح الاقتصادي قد تكون تكلفته عالية بالرغم من أن هنـاك قـوى وأصحاب مصالح يسيـل لعابهم عند قراءة كلمة الخصخصة، لأن أبواب الرزق تفتح على مصراعيها أمام السماسرة والتجار والوسطاء الذين يروجون للخصخصة حتى لو مست الصحة وهي أعز ما يملك أي إنسان وحتى لو وصلت الخصخصة للتعليم، وغيوم الخصخصة تلبد السماء وتلوح بالأفق وتنذر بعواصف قد تمس جيوب البسطاء وذوي الدخل المحدود ولكن من يخططون للخصخصة لا يعرفون سوى أرقام الأرباح ولا شأن لهم بالأبعاد الاجتماعية والإنسانية وهم لا يتابعون تداعيات خصخصة الخدمات العامة بدول أخرى وتكلفتها الباهظة، فهل يدرك البسطاء أن أسلوب الـوصفة الجاهزة الموحدة والبندول لا يعالج المرض ولكن قد يودي بحياة المريض الذي وثق في طبيب غير متخصص ودفعتـه الأقـدار ليأخذ البندول قبل أن يشخص المريض وحالته بدقة ولكن الوسطاء والمنتفعون من الترويج للخصخصة لا تهمهم الصحة ولا حياة المرضى حتى لو تربحوا من بيع أعضاء المريض دون شفقة أو رحمة لأن الخصخصة للصحـة والـتعليم لا تختلف عـن بيـع الأعضـاء البشرية وانتهـاك حـرمة الأجسـاد فلا تمسوا الصحة أو التعليم يا أيها المروجون والمستفيدون مـن الخصخصة، ولا تكرروا سيناريو رفع أسعار البنزين بسبب وصفة البندول.
(المصدر: الانباء 2016-11-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews