خطط خفض الضرائب الأمريكية
لعبت خطط الرئيس الأمريكي المنتخب ترمب لخفض الضرائب دورا رئيسا في فوزه بالانتخابات الأمريكية. ومن المتوقع أن تقود مقترحاته لخفض الضرائب -في حالة تبنيها- إلى هبوط إيرادات الحكومة الفيدرالية الضريبية بنحو ستة تريليونات دولار خلال العقد المقبل. وسيزيد هذا الخفض العجز المالي الأمريكي بقوة خلال الأعوام المقبلة، ويصل عجز الحكومة الأمريكية المركزية الحالي إلى 440 مليار دولار وسيصل خلال عدة سنوات إلى 4.5 في المائة من الناتج المحلي في ظل السياسات الضريبية الحالية. ويرى كثير من المختصين أن خطط خفض الضرائب ستقود إلى رفع العجز المالي الأمريكي إلى مستويات ضارة بالاقتصاد الأمريكي، حيث سيرتفع إلى أكثر من تريليون دولار سنويا خلال فترة وجيزة ما يدفع الدين الأمريكي للحكومة الفيدرالية إلى مستويات تتجاوز الناتج المحلي بقوة، ويعرض اقتصاد الولايات المتحدة إلى مخاطر كبيرة في حال عودة معدلات الفائدة للارتفاع. وتساعد معدلات الفائدة المنخفضة الحالية في خفض العجز المالي وأعباء الدين الأمريكي. وستقود زيادة نقطة مئوية في معدلات الفائدة إلى زيادة تكاليف أعباء الدين بنحو 200 مليار دولار في السنة.
يرى ترمب أن مشروعه لخفض الضرائب سيحفز النمو الاقتصادي بقوة، ما سيرفع العوائد الضريبية ويعوض الفاقد الناتج عن خفض الضرائب أو على الأقل جزء كبير منه. وتشير مؤشرات الاقتصاد الأمريكي إلى أنه يعمل حاليا عند طاقته الكاملة أو قريبا منها، ولهذا فإن خفض الضرائب قد لا يساعد كثيرا في تحفيز النمو الاقتصادي، بل قد يتسبب في الضغط على الأجور والأسعار ويرفعها إلى الأعلى ما سيقود إلى عودة الضغوط التضخمية في الاقتصاد وعودة سياسات التشدد النقدي التي ستدفع معدلات الفائدة إلى الأعلى وتدفع العجز المالي إلى مستويات فلكية.صحيح أن خفض الضرائب سيفيد أعدادا كبيرة من الشرائح السكانية متوسطة الدخل ولكن بمبالغ محدودة، من جهةٍ أخرى يرى كثير من المختصين أن خطط ترمب تميل لمصلحة الشركات (خفض كبير) وأصحاب الثروات وذوي الدخول المرتفعة بدرجة أكبر. وتصل التقديرات إلى أن ما لا يقل عن نصف الإعفاءات والتخفيضات الضريبية المقترحة (خصوصا إلغاء ضريبة التركات) ستذهب لأغنى 1 في المائة من المجتمع، ما سيعمق من سوء توزيع الثروة والدخل في المجتمع الأمريكي.
خفض الضرائب يرفع النمو الاقتصادي في الأمد القصير بسبب توجه الأسر المتوسطة لإنفاق المبالغ الموفرة من الضرائب على السلع والخدمات، ولكن الجزء الذي يخص الشرائح الغنية قد يذهب للاستثمار الخارجي أو الاستيراد أو المضاربة في أسواق رأس المال. ومن إيجابيات خفض الضرائب أنه يحفز على العمل والاستثمار والادخار الذي يرجى أن يساعد في زيادة التوظيف، ولكن تصاعد العجز المالي في أي بلد قد يرفع معدلات الفائدة ما يخفض أو يلغي تأثيرات التحفيز الناتج عن خفض الضرائب. من جهة أخرى يرفع خفض الضرائب تأثيرات الدخل على العمل والادخار والاستثمار ويدفعها باتجاهات معاكسة.
يرى عدد من المختصين أن خفض الضرائب يجب أن يقابل بخفض الإنفاق الحكومي أو بنمو قوي في الناتج. ويشكك كثيرون في قدرة الإدارة الأمريكية على خفض الإنفاق الحكومي بشكل ملموس، كما يشككون في حدوث نمو اقتصادي قوي كاف لخفض العجوزات المالية بدرجة ملموسة. ويجب ألا ننسى أن خفض الإنفاق الحكومي في حال حصوله يحد من تأثير زيادة الإنفاق الخاص الناتج عن الخفض الضريبي. من جهةٍ أخرى فإن خفض الضرائب الفيدرالية سيزيد الدخول وحجم الضرائب المحلية المفروضة في الولايات والمدن، ما يقلل من منافع الخفض الضريبي الصافية.
لخفض الضرائب أيضا آثار على توزيع الدخل حيث سيقود استفادة الشرائح الأعلى دخلا منها إلى الإساءة إلى عدالة توزيع الثروة والدخل، كما أن توجيه معظمها إلى الشرائح السكانية الأقل دخلا سيزيد من الطلب على السلع الأساسية والاستهلاكية وسيتجه جزء صغير من الدخول الإضافية الناتجة عن الخفض إلى الاستثمار والادخار، بينما ستقود استفادة الشرائح السكانية الأكثر دخلا إلى تخصيص مزيد من الموارد نحو الاستثمار والادخار وزيادة الطلب على السلع الفاخرة والواردات.
يتوقف تأثير خفض الضرائب على توقيت منحها، حيث يقود منحها عند التراجع الاقتصادي إلى تأثيرات أقوى على النمو والدخل بينما ستكون تأثيراتها محدودة في حال الرواج الاقتصادي، وقد ترفع معدلات التضخم وتسيء إلى الوضع الاقتصادي على الأمد الطويل. ويلعب الاقتصاد الأمريكي دورا حيويا في الاقتصاد والتجارة العالمية لهذا فإن زيادة نشاط الاقتصاد الأمريكي سيصب في مصلحة باقي العالم والقطاعات الاقتصادية ومنها قطاع الطاقة. ونتيجة لذلك فإن قصور خفض الضرائب الأمريكية عن توليد نمو قوي سيكون مخيبا للآمال كما قد يتسبب في رفع معدلات الفائدة ما سيحبط النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والدول التي تربط عملاتها بالدولار. وعموما يرى كثير من المختصين أن العجز المالي الذي سينتج عن تخفيضات ترمب الضريبية سيلغي كل المكاسب المتوقعة من خفض الأعباء الضريبية أما إذا ارتفعت معدلات الفائدة فإنها ستسيء إلى الاقتصادين الأمريكي والعالمي على الأمد الطويل.
(المصدر: الاقتصادية 2016-11-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews