قد لا نرى نضوبا اقتصاديا للبترول
خلاف بسيط بين فئتين من المهتمين بالمصادر البترولية حول النضوب الطبيعي والنضوب الاقتصادي للمواد الهيدروكربونية. وكان الحديث في الماضي يتركز على نوع واحد من أنواع البترول المعروفة اليوم، وهو ما يطلق عليه البترول التقليدي، أو الرخيص. والنضوب قد يعني نضوب حقل واحد أو مجموعة حقول في دولة واحدة، أو على مستوى العالم. وسوف نحصر حديثنا في هذا المقال عن النضوب في البترول العالمي وليس المحلي. وسنتحدث عن النضوب ومستقبل بترول دول الخليج في مناسبة مقبلة ـــ إن شاء الله.
البترول العالمي لم يعد يقتصر على التقليدي الذي لا يتجاوز احتياطيه الحقيقي تريليون برميل، ويتم استنزافه الآن بشكل مخيف. فهناك عدة مصادر بترولية من أنواع مختلفة، مثل البترول الصخري والرمل البترولي والبترول الثقيل والصخر البترولي، وأنواع أخرى إنتاجها مكلف ولذلك هي تصنف مع غير التقليدي. ومجموع احتياطي غير التقليدي بوجه عام بين ثلاثة وأربعة تريليونات برميل، إلى جانب احتياطي التقليدي المذكور آنفا. فيكون ما تبقى من البترول الممكن استخراجه بالتقنية والطرق الحديثة المعروفة اليوم أكثر من أربعة تريليونات، بغض النظر عن تكلفة الإنتاج. وتقدير احتياطي غير التقليدي عشوائي، فهو قابل للزيادة والنقص بنسبة كبيرة. ولكن الشاهد هنا أن النضوب الطبيعي للبترول بالنسبة للاحتياطي العالمي قد لا يحدث على المدى المنظور ويمتد وجوده إلى عشرات العقود. ولذلك فإن الحديث عن النضوب الكامل سابق لأوانه. ويبقى الحديث عن النضوب الاقتصادي. فلعله من نافلة القول أن نذكر أن البترول التقليدي، الذي يمد العالم اليوم بنسبة تقارب 90 في المائة من الإنتاج العالمي، سوف يتحول بطبيعة الحال، إلى غير تقليدي عندما ترتفع تكلفته ويقل إنتاجه مع مرور الوقت. فيصبح ما تبقى من الاحتياطي العالمي كله غير تقليدي. أو حتى ربما نتجاوز حينئذ عن كلمتي تقليدي وغير تقليدي لعدم الحاجة إليهما، وهو اتجاه بدأت تظهر معالمه من الآن.
والسؤال، متى يا ترى يصبح إنتاج البترول غير مجد اقتصاديا، وما العوامل التي تتحكم في هذا التوجه؟ من المؤكد أن المجتمع الدولي لن يستغني عن الطاقة بحال من الأحوال. بل إن المتوقع هو ارتفاع الطلب مع زيادة عدد السكان ووصول وسائل الرفاهية وارتفاع مستوى المعيشة لأكبر عدد من سكان المعمورة. وسوف يستمر استخدام المصادر البترولية بأنواعها كأفضل اختيار خلال العقود القليلة المقبلة. ومن الطبيعي أيضا أن يتم استنزاف معظم المصادر البترولية الرخيصة نسبيا أولا، ثم التحول تدريجيا نحو الأكثر تكلفة وأقل إنتاجا، ربما في غضون خمسة وعشرين عاما من الوقت الحاضر أو أدنى من ذلك. وهنا تظهر الحاجة الملحة إلى التوسع الكبير في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وليست لدينا معلومة الآن عن مدى استمرار استخدام الطاقة النووية أو تطور التكنولوجيا الخاصة بها، ما قد يسمح لها بأن تلعب دورا أكبر من وضعها الحاضر، ما لم يتوصل العلماء إلى حل عقدة تقنية "الاندماج النووي"، أو "نيوكلير فيوجن"، وهي أمنية طال انتظارها. فإذا قدر الله وتوصلوا إلى هذا الحل فقد تتغير أمور كثيرة في مجال مصادر الطاقة.
وعلى الرغم من الضغوط التي سوف تحد من استخدام المشتقات البترولية كمصدر للطاقة خلال الثلاثين سنة المقبلة، كنشاط أرباب المناخ وتحول معظم وسائل النقل البري إلى المركبات الكهربائية وارتفاع تكلفة الإنتاج ومصادر الطاقة المتجددة. إلا أنه، دون شك، سيظل يمد العالم بكميات تتناسب مع شح الموارد البترولية عندما يتحول الإنتاج كليا إلى غير التقليدي. فالبترول، إلى جانب كونه مصدرا للطاقة، فهو أيضا مادة أساسية للصناعات البتروكيماوية التي لا غنى للبشرية عنها ولبعض المتطلبات الأخرى التي ليس أقلها مادة رصف الشوارع والطرقات. وهناك وسائل كثيرة لن تستغني عن البترول، مثل النقل البحري والنقل الجوي ونسبة من النقل البري. كما أن توليد الطاقة الكهربائية، التي يفترض فيها أنها تتوسع، سوف تكون نسبة كبيرة من وقودها مصدره المواد الهيدروكربونية، ليس رغبة فيها بل لعدم وجود بديل يفي بجميع متطلبات توليد التيار الكهربائي. نحن نتحدث الآن عن مرحلة مقبلة تتميز بارتفاع كبير في تكلفة إنتاج المصادر البترولية، ولذلك فللضرورة أحكام. فالمجتمع الدولي سوف يدفع أي ثمن للحصول على ما يحتاج إليه من الطاقة، وليس أمامه إلا الاستمرار في استخدام المشتقات البترولية رغم صعوبة وتكلفة استخراجها. أما ما يعول عليه بعض المحللين والكتاب من أن التقدم التكنولوجي سوف يوجد مصدرا جديدا أو بديلا منافسا للبترول، فهو مجرد تكهنات ليس لها ما يدعمها من مصادر بحثية أو علمية. وأبعد ما يكون احتمال اكتشاف مصدر يمتلك جميع خصائص البترول الطاقوية والصناعية، وهو ما يعني استمرار ارتباطنا بالبترول. ومع مرور الوقت واستنزاف الرخيص منه، سوف ننتقل إلى الأعلى تكلفة، ولا خيار آخر لنا.
وهذا يثير شيئا من الشك حول إمكانية حدوث نضوب اقتصادي للبترول، أو أننا سوف نستغني عنه على المدى المنظور مهما بلغت تكلفة إنتاجه. إلا في حالة واحدة، وهي إمكانية تصنيع مادة وقود صلبة أو سائلة، لا علاقة لها بالبترول، تكون اقتصادية وملائمة للنقل الجوي والبحري والبري، أو استخدام الاندماج النووي كما أسلفنا. ومع ذلك فسوف تبقى أهمية البترول بالنسبة للصناعة البتروكيماوية ورصف الطرق.
(المصدر: الاقتصادية 2016-10-24)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews