الولايات المتحدة تتطلع للفوز بعقود التأمين المتبادل في لندن

في أعقاب التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، برزت أعمال عقود التأمين المتبادل المجزية في الحي المالي باعتبارها إحدى نقاط الاشتعال في الموقف العالق بين لندن وبروكسل. ولأن السوق تجد نفسها أمام مستقبل غير مضمون على جانبي القنال، فإنها تتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستبرز باعتبارها الوجهة الأساسية للمشتقات.

هذه المسألة أثيرت من قبل أحد المصارف في وول ستريت، وتساءل جيمس جورمان، الرئيس التنفيذي لـ "مورجان ستانلي"، ما إذا كانت أوروبا تمتلك البنية التحتية اللازمة لمتداولي عقود التأمين المتبادل في وول ستريت. ويعتقد جورمان أن نيويورك ربما تكون الفائز الكبير في حال وقعت معركة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

التداول في المشتقات وأعمال المقاصة فيها من الأعمال التي أضفت مكانة متميزة للحي المالي في لندن، حيث كانت تسيّر المعاملات التي تبلغ قيمتها اليومية 1.2 تريليون دولار من الصفقات المقومة بعملات مختلفة. وتشكل العقود المقومة باليورو أكثر من نصفها، وفقا لبنك إنجلترا.

وعملت الأزمة المالية على إبراز أهمية عمليات المقاصة للمشتقات. وكان تعزيز دور بيوت المقاصة أحد أركان جهود صناع السياسة في تعزيز الأسواق.

الرئيس الفرنسي ووزير ماليته اغتنما التصويت لـ "خروج بريطانيا" لتعزيز مطالبهما بأن تنتقل عقود التأمين المتبادل المقومة باليورو إلى خارج لندن. هذا من شأنه أن يتطلب تغييرا في معاهدات الاتحاد الأوروبي التي تمكن البنك المركزي الأوروبي من أن يضطلع بالإشراف على أعمال المقاصة في كتلة اليورو. وسبق أن أحبطت بريطانيا محاولة مماثلة من قبل بلدان منطقة اليورو في محكمة العدل الأوروبية عام 2015.

لكن أي جهود من السياسيين الأوروبيين لهندسة مثل هذا التحول في المشهد الخاص بمقاصة المشتقات سيُنظر إليه على أنه يجعل الولايات المتحدة هي المستفيد الرئيس. وهذا يعد علامة على رغبة المشاركين في تسيير أعمال مقاصة المشتقات في منطقة اختصاص تستطيع التعامل مع كميات كبيرة من النشاط وتعطي معايير قانونية جذابة.

المجموعات الأمريكية المنافسة، مثل CME وإنترناشونال إكستشينج، شأنها في ذلك شأن دار المقاصة LCH التي يوجد مقرها في لندن، تتولى أيضا تسيير معاملات العقود المقومة بعملات كثيرة. في أيلول (سبتمبر) تفوقت الولايات المتحدة على بريطانيا باعتبارها أكبر مركز للنشاط في مشتقات أسعار الفائدة خارج البورصات الرسمية، وفقا لبيانات بنك التسويات الدولية.

في شيكاغو، تولت مجموعة CME أعمال المقاصة لـ 13.3 تريليون يورو على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهي تتولى إدارة نحو 2.3 تريليون يورو من التعاملات المفتوحة باليورو. وفي حين أن هذا الرقم يتضاءل أمام أعمال LCH في لندن، إلا أن الولايات المتحدة استطاعت تأمين التماثل في معايير المقاصة مع بروكسل، وهو أمر لم تقدر عليه بريطانيا.

المركز الآخر الوحيد "القادر على تنفيذ أعمال المقاصة في جميع هذه العملات مركزيا وبصورة تتسم بالكفاءة هو نيويورك"، وفقا لما يقوله كزافييه روليه، رئيس مجموعة بورصة لندن، التي تسيطر على LCH، وهي أكبر دار لمقاصة عقود التأمين على أسعار الفائدة. وهو أيضا يتساءل: "لماذا يمكن أن تقبل بريطانيا بأقل من ترتيب للاعتراف المتبادل الذي حصلت عليه الولايات المتحدة لبيوت المقاصة؟".

السير جون كانليف، نائب محافظ بنك إنجلترا لشؤون الاستقرار المالي، يقول إن وجود سياسة تقضي بأن تتم أعمال مقاصة عقود اليورو في الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تُحدِث تجزئة في الإطار.

وقال أمام النواب في بريطانيا: "إذا حسبنا الأمور على أساس القياس، عندها لا بد أن تتم أعمال مقاصة عقود الدولار في الولايات المتحدة، والجنيه في بريطانيا، والين في اليابان. وبهذا تصبح البنية التحتية للعملات المتعددة مستحيلة. لذلك إذا جزأنا أعمال المقاصة، فإن التكاليف سترتفع في جميع أنحاء النظام".

المصارف والجهات الأخرى التي تقتني عقود التأمين المتبادل تستعيد بعض الرسوم على دفعات الهوامش في تعاملاتها، من خلال التركيز على عدد من دور المقاصة وتصفية التعاملات.

يقول روليه: "إذا فصلت أعمال المقاصة للمشتقات المقومة باليورو عن مجموعة السيولة الأكبر، عندها ستخسر بعض هذه الأعمال ذات الكفاءة وفي النهاية ستكلِّف العملاء أموالا".

بالنسبة للصناعة، التجزئة ربما تستلزم أن يُرفع إلى الضعف تقريبا الهامش الابتدائي الذي تضعه من أجل التداولات، من 83 مليار دولار إلى 160 مليار دولار، حسب تقديرات ClarusFT، وهي شركة للبيانات المالية.

وكانت دور المقاصة منخرطة في "تصغير" عقود المشتقات المقابلة التي تقتنيها. الصفقات ذات القيمة الاسمية التي تصل إلى تريليونات الدولارات تصبح لا داعي لها لأن التعاملين المتقابلين يتم التحوط لهما بشكل تام.

في 2015 تولت LCH أعمال المقاصة لما قيمته 600 تريليون دولار تقريبا من المشتقات خارج البورصات الرسمية، أي أنها عملت على تصعير 328 تريليون. هذا اعتُبِر معادِلا لمبلغ 25 تريليون دولار على الأقل، حسب تقديراتها، في رأس المال التنظيمي التي تم توفيره على المصارف، وعلى عملائها، مثل شركات التصنيع والطاقة. يقول كريج بيرونج، وهو أستاذ للعلوم المالية في جامعة هيوستن: "السير جون يعرض فكرة أساسية للغاية. هناك كميات هائلة من وفورات الحجم والنطاق في المقاصة. كذلك (التجزئة) ستؤدي إلى مشاكل خطيرة في حالة حدوث أزمة، لأنها تقتضي تنسيق الاستجابات عبر مزيد من دور المقاصة، التي تعمل تحت مناطق اختصاص مختلفة وإطارات تنظيمية مختلفة. وهذا يمكن أن يتطلب قدرا كبيرا من الحذق والمهارة". ويخشى آخرون من أن جعل أعمال مقاصة العقود المقومة باليورو إجباريا داخل منطقة اليورو يبدو وكأنه سياسة لا يفوز فيها أحد.

يقول وات لوكن، رئيس FIA، رابطة مهنة المشتقات: "هذا يتجاوز لندن. باعتبارها عملة احتياطية عالمية، هناك مخاوف متزايدة في الأسواق من أن اليورو ربما لا يعود قابلا للتداول والمقاصة بحرية".

يقول رئيس قسم المقاصة في أحد المصارف الاستثمارية في أوروبا، إن الموضوع يبدو مباشرا: "ما من أحد فسر لي ما الأمر المهم حول العقود المقومة باليورو الذي لا بد له أن تتم مقاصته في منطقة الاختصاص الحالية؟".

(المصدر: فايننشال تايمز 2016-10-24)