ليست لعبة حياة أو موت

مضطر للكتابة قبل أن تبدأ مباراة النهائى الأفريقى بين الزمالك وصن داونز الجنوب أفريقى.. ولأننى لا أعرف ولا أستطيع توقع نتيجة هذه المباراة، وهل ستنتهى بفوز الزمالك بها وبالكأس أم يعود صن داونز إلى بلاده منتصرا.. فأنا أكتب عن أمور أخرى لها علاقة بالمباراة نفسها وليس نتيجتها.. أكتب عن البعض الذين لا يزالون يكتبون هذه العناوين الغريبة والخاطئة مثل هؤلاء الذين كتبوا أو قالوا إن الزمالك يواجه صن داونز بشعار حياة أو موت.. فأنا لا أعرف أو أفهم معنى أن تصبح مباراة كرة قدم حياة أو موتا.. فهل يقصد أصحاب هذا العنوان أن الزمالك سيعيش إن فاز لكنه سيموت إن خسر.. وهل خسارة مباراة أو بطولة تعنى موت الزمالك ونهايته بكل تاريخه الطويل وبطولاته وانتصاراته وحكاياته؟.. ولو كان هذا الأمر صحيحا فأين شهادات وفاة الأهلى وبرشلونة والريال ومانشستر والبايرن والميلان..

فكل هذه الأندية فازت وخسرت مباريات وبطولات ولم تمت ولن تموت.. والذين يرون كرة القدم لعبة للحياة أو الموت هم لا يعرفون أصلاً معنى كرة القدم أو الحياة والموت.. فالموت شىء آخر مختلف تماما عن اللعب والفوز والخسارة وهدف هنا أو هناك.. الموت هو الحزن والغياب والألم والخطوة الأخيرة التى لا بد أن يخطوها كل منا ولا يرجع بعدها أبدا.. والحياة أعمق وأكبر من اختصارها داخل ملعب كرة قدم أو ناد ومباراة لكرة القدم.. وبدلا من أحاديث الحياة والموت.. أتوقف مثلا أمام تأكيد نجم الزمالك الكبير ميدو أنه سيقفز فى البحر بملابسه الكاملة إن فاز الزمالك بالبطولة.. فهذا يبقى داخل إطار الممكن والمقبول أيضا.. وأعرف أن ميدو سيفعلها إن فاز الزمالك وقد سبق له أن قص شعره بعد أن فاز ليستر سيتى بالدورى الإنجليزى الموسم الماضى.. ووقتها أصبح ميدو حديث الإعلام الكروى الإنجليزى الذى نشر صور ميدو وهو يقص شعره داخل استديو بى إن سبورت.. وحكاية القفز بالبدلة ورابطة العنق فى البحر هى أحد أشكال ممارسة هذه الفرحة، حتى لو كان شكلا غير متوقع أو معتاد.. ومن حق أى أحد أن يخترع منهجه الخاص فى الفرحة أو الحزن.. المهم فقط أن يعرف كيف وبماذا يفرح وكيف ولماذا يحزن..

لأننا فى مصر بشكل عام وبعد كل ما عشناه ودفعنا ثمنه من فوضى وارتباك أصبحنا لا نعرف كيف نفرح أو نحزن.. نبالغ فى كل شىء.. نتطرف فى كل فعل وكلمة ورأى وتعليق.. ثم نجلس على أرصفة أيامنا نتظاهر بالدهشة والاستغراب من هؤلاء المتطرفين أمامنا وهؤلاء المتعصبين سياسيا أو دينيا أو كرويا، مع أننا فى النهاية مثلهم تماما.. بل إننا غالبا الذين صنعناهم وعلمناهم وفتحنا بأيدينا أمامهم أبواب التطرف والتعصب والجنون، وحتى الخراب والدم والموت.. ولا مستقبل لنا أو حياة إلا إذا استعدنا عقولنا مرة أخرى وأصبحنا نرى كل الأشياء على حقيقتها دون أى تهويل أو مبالغة، وتعلمنا من جديد كيف نحب ونحلم ونفرح ونحزن.

(المصدر: المصري اليوم2016-10-24)