الإصدار السعودي يكسر الرقم القياسي لسندات الأسواق الناشئة

خطة السعودية الطموحة لرسم مسار بعيد عن الاعتماد على النفط ونحو اقتصاد أكثر تنوعاً، انطلقت بقوة مع عملية بيع ضخمة لسندات سيادية بقيمة 17.5 مليار دولار.

إمكانية الاستثمار في اقتصاد كبير، مع قليل من الديون، لم يُصدر أبداً أي سندات مقومة بالدولار أثارت اهتمام عالميا ووصل الاكتتاب إلى 67 مليار دولار، الأمر الذي يُمكّن الرياض من الاقتراض أكثر - وبثمن أقل - مما كان يُعتقَد في البداية.

في الوقت الذي يُثني فيه المصرفيون على أنفسهم ويخطط المسؤولون لخطوتهم المقبلة، تم تعلّم دروس من أول عملية بيع سعودية لسندات دولية.

الدرس الأول: سندات الأسواق الناشئة لا تزال رائجة. حتى الآن جاءت أكبر ثلاث عمليات بيع للسندات السيادية في الأسواق الناشئة في غضون بضعة أشهر. ويتفوق الإصدار السعودي الذي بلغت قيمته 17.5 مليار دولار على سندات أرجنتينية بقيمة 16.5 مليار دولار في نيسان (أبريل)، ما يجعله إصدارا قياسيا لاقتصاد ناشئ. ويتفوق بكثير على سندات بقيمة تسعة مليارات دولار أصدرتها قطر في أيار (مايو).

كان دفتر الطلبات كبيراً بما فيه الكفاية لترفع المملكة الحجم الذي كانت تعتزم بيعه، وهو 15 مليار دولار، وتقلص أسعار الفائدة. وتم بيع السندات لأجل عشرة أعوام بعائد يبلغ 3.25 في المائة.

ومع أن الرياض كثفت جهودها لاستهداف جمهور غربي، من خلال إرسال مسؤولين كبار إلى لندن وبوسطن ونيويورك ولوس أنجلوس لتقديم الحجة، إلا أن الطلب ربما تسارع بسبب عوامل خارجية، كما يقول ريتشارد هاوس، من شركة ستاندرد لايف للاستثمار.

من ذلك أن تخفيضات أسعار الفائدة وعملية شراء السندات من جانب البنوك المركزية في الغرب دفعتا ما قيمته 12 تريليون دولار من السندات الحكومية ليتم تداولها بعوائد سلبية. نتيجة لذلك، بعد الزوبعة الناجمة عن رفع أسعار الفائدة الأمريكية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي والمخاوف بشأن الصين في بداية هذا العام، اندفعت الأموال بقوة مرة أخرى إلى الأسواق الناشئة.

يقول هاوس "هناك كثير من الطلب على أي شيء لديه عوائد. عدد قليل جداً من عمليات بيع سندات الأسواق الناشئة جرت بشكل سيئ هذا العام".

الدرس الثاني: السندات طويلة الأجل لا تزال جذابة. واحد من أكثر الجوانب المميزة لظهور السعودية الأول في أسواق السندات العالمية هو أنها باعت سندات لأجل 30 عاما أكثر من السندات التي لأجل خمسة أعوام أو عشرة أعوام. فمن بين السندات الصادرة، تم بيع ما قيمته 6.5 مليار دولار لمستثمرين لن يستعيدوا أموالهم حتى عام 2046.

وفي العادة مستثمرو الأسواق الناشئة يفضّلون السندات قصيرة الأجل، التي تُقلل من خطر الظروف غير المتوقعة التي تُلحق الضرر بفرصهم لاستعادة أموالهم. والرغبة في السندات التي لأجل 30 عاماً تعكس اتجاها عاما عبر الأسواق العالمية، حيث الطلب على السندات طويلة الأجل أدى إلى تسطيح منحنيات العوائد.

ويعود ذلك إلى سياسة البنوك المركزية، خاصة في المملكة المتحدة وأوروبا واليابان، حيث تم تخفيض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية وتطبيق برامج شراء السندات الضخمة في محاولة لرفع النمو والتضخم.

وقبل الإصدار زار مسؤولون من السعودية عددا من البلدان في آسيا، بما في ذلك اليابان، للقاء المستثمرين. وبحسب مصرفيين تحدثوا إلى "فاينانشيال تايمز" في آب (أغسطس)، أبدت صناديق التقاعد وشركات التأمين في المنطقة اهتماماً بالغاً بالسندات طويلة الأجل لمطابقة التزاماتها طويلة الأجل.

الدرس الثالث: الرياض جادّة بشأن التنويع: الاقتصاد السعودي، الأكبر في الشرق الأوسط، لا يزال يعتمد اعتماداً كبيراً على النفط الخام. ولدى الرياض الآن خطة تتضمن تقليص هذا الاعتماد والحد من دور الدولة، كما تخطط تعويم شركة أرامكو السعودية التي ستكون أكبر عملية تعويم في العالم.

وبيع السندات المقومة بالدولار هو جزء من "رؤية"، وهو أيضا يُحدد معيارا تستطيع من خلاله الكيانات الأخرى جمع الأموال الخاصة بها.

وبحلول عام 2020، تتوقع السعودية أن تصل ديونها إلى 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بأقل من 8 في المائة حاليا.

جريجوري سيشن، من شركة أليانتز جلوبال إنفسترز، يقول "إن المسؤولين السعوديين يدركون تماماً التغييرات المطلوبة لتحقيق ذلك"، مضيفا أن "الجولة الترويجية للسندات كانت مصقولة".

يقول "لقد تحدّثوا عن (...) تحسين الشفافية، وفي الوقت نفسه التأكيد على حجم الاقتصاد وشبه عدم وجود ديون حاليا. لقد قدموا جميع الأمور التي يرغب فيها المستثمرون".

الدرس الرابع: خطط طويلة الأجل: في النشرة المطولة عن السندات، وفي اللقاءات مع المستثمرين، أوضح المسؤولون أن المملكة تعتزم استخدام السندات السيادية لتكون نقطة انطلاق لمجموعة من الصفقات. وتتوقع السعودية إصدار سندات تصل قيمتها إلى 120 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.

يقول ريك هاريل، من لوميس سايلز "هذا تغير مقصود من حيث خططهم في التمويل طويل الأجل. من المتوقع أن يأتوا إلى الأسواق الدولية كل عام، أو عاما بعد عام".

ربما تكون الرياض قد حطمت الأرقام القياسية من حيث كونها جهة إصدار من بلدان الأسواق الناشئة، لكن السندات ستمول فقط نحو ثلث العجز في ميزانية السنة المقبلة.

وفقا لجيسون توفي، الاقتصادي المختص في منطقة الشرق الأوسط لدى كابيتال إيكونومكس، إن تحطيم الرياض الأرقام القياسية من حيث كونها جهة إصدار من بلدان الأسواق الناشئة يفترض أن يجعل من غير المرجح حدوث مزيد من التراجع في احتياطي العملات الأجنبية لدى المملكة. "ويفترض في ذلك أن يخفف من أي مخاوف عالقة بشأن تخفيض قيمة الريال".

(المصدر: فايننشال تايمز 2016-10-23)