العقود وجائزة نوبل للاقتصاد
فاز أوليفر هارت إنجليزي يعلم الاقتصاد في هارفارد وبنجت هولسترم فنلندي أستاذ الاقتصاد في MIT بجائزة نوبل لعلوم الاقتصاد لهذا العام. منحت الجائزة نظير أبحاثهما في دراسة وتحليل العقود اقتصاديا، خاصة في جوانب سوق العمل والعلاقة بين العامل والمالك. الاقتصادات الحديثة متماسكة بالترابط بين الناس والمنظمات الحكومية والخاصة بواسطة عقود لا تحصى، ولذلك أصبح تحليل هارت وهولسترم محاولة للبحث عن أمثل الطرق في العقود لتأسيس قاعدة فكرية وتحليلية تساعد في تصميم السياسات والمؤسسات في أغلب نواحي الحياة. لاحظ كثير من المراقبين أن الجائزة انتقلت من منحها لمفكرين اقتصاديين في الاقتصاد الكلي الذي بدا كأنه محل تساؤل نظرا لتعاقب الأزمات الاقتصادية إلى مسائل فنية محددة، لعل بعض هذه المسائل يكون أكثر علاقة مع حياة الناس من ناحية وأقرب إلى الدقة والسيطرة الفكرية / العملية من ناحية أخرى.
ركز هولسترم على عقود العمل حيث تريد الشركات أن يتصرف المديرون كما لو أنهم يملكون الشركة بالجد وأخذ المخاطر المحسوبة وتقليل التكاليف، بينما العاملون يرغبون في أكبر دخل ممكن بأقل عمل ممكن في حين أن قياس الأداء دائما صعب. فهناك شد طبيعي ليس لنا إلا محاولة إدارته من خلال مكافأة مالية تجمع بين الثابت من الدخل والحافز المرتبط بالأداء. بينما هارت يبدأ من أن العقود عبارة عن كتيب تعليمات لا تستطيع أن ترشد العامل ماذا عليه أن يعمل في كل حالة ولكن لا بد لها من تحديد كيفية أخذ القرارات. يرى هولسترم أن يكون هناك جزء مؤثر من مكافآت الإدارة العليا مؤجل لحين النظر في تبعات القرارات المؤثرة والبعيدة الأجل، فمثلا يرى أن يربط الأداء بأداء سهم الشركة مقارنة بأداء أسهم القطاع وليس الشركة فقط. ولكن أيضا بحثوا في عقود من نوع آخر، فمثلا هل من الأفضل التعاقد أو الاستحواذ إذا كانت العلاقة بين الشركتين رأسية. تتضح أيضا أهمية العقود في التسنيد Outsourcing. العقود تحكم طبيعة العلاقة الاقتصادية بين الأطراف أيا كانوا ولكن الأهم من ناحية الحالة السعودية اليوم أن العقود والحراك الاقتصادي في تفاعل حثيث على أكثر من صعيد دون رصد اقتصادي محكم بالتوجهات الاقتصادية الجديدة مثل التخصيص وتحجيم دور القطاع العام وطبيعة الأعمال الجديدة.
أنا لست محاميا كي أتحدث عن خبايا القانون أو جزئية العقود منه ولكن ما يلفت نظري هو مدى الاهتمام العام لدينا بالقانون في العقود أكثر من البحث عن دور العقود في تحفيز تكوين رأس المال المادي والبشري من ناحية، وغياب الاقتصاديين عن تحليل العقود، خاصة في التوظيف العام، حيث أغلب المواطنين موظفون في القطاع العام. إذ لا بد للعقود أن تصاغ بطريقة تصب في تحفيز الأفراد والشركات لخدمة الأهداف الجماعية اقتصاديا. كما أن توجه الحكومة بتوطين الوظائف سيرفع درجة الاهتمام والحساسية لهذه العقود كما يدل عدم تفعيل المادة 77 من نظام العمل الجديد. لا أعرف أسباب التردد في تفعيله ولكن لا بد أنه يدور حول حذر قد يكون أو لا يكون مبررا من النتائج الاقتصادية. أحد أسباب ضعف المرجعية الاقتصادية أن الحكومة ممثلة في هيئة الخبراء في مجلس الوزراء يسيطر عليها القانونيون بينما التحديات وكثير من المسائل التي يتعاملون معها اقتصادية في الجوهر، خاصة مع إعادة تأطير ومركزية القرار الاقتصادي. تعديل القطاع العام من التركيز على الأنظمة إلى التعامل مع الحراك الاقتصادي تحد مختلف يتطلب التمعن في أبحاث وتوصيات هارت وهولسترم.
(المصدر: الاقتصادية 2016-10-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews