حرب اقتصادية على ألمانيا
«إنها حرب اقتصادية أمريكية على ألمانيا».. هكذا وصف الساسة الألمان قرار وزارة العدل الأمريكية تغريم «دويتشه بنك» أكبر البنوك الألمانية المقرضة لقطاع الأعمال في ألمانيا، 14 مليار دولار تحت دعاوى التورط في عمليات بيع أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري عن طريق التضليل في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
واتهم عدد من هؤلاء الساسة مثل بيتر رامسور رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الألماني بأن قرار وزارة الخزانة الأمريكية يحمل طابع الحرب الاقتصادية الأمريكية ضد ألمانيا. معتبراً أن الولايات المتحدة لها تقليد قديم في استغلال أية فرصة مواتية لإعلان حرب تجارية ضد أية دولة إذا وجدت أن مثل هذه الحرب تحقق مصالح اقتصادها. أما ماركوس فيربر عضو البرلمان الأوروبي عن الحزب المسيحي الديمقراطي ، فقد أشار إلى أن توقيت قرار وزارة الخزانة الأمريكية وحجم الغرامة المفروضة على «دويتشه بنك» له علاقة بطلب الاتحاد الأوروبي من إيرلندا إجبار شركة «أبل» الأمريكية على دفع 13 مليار يورو في صورة ضرائب بعد اتهامها بتلقي دعومات غير مشروعة (تجارياً) من الولايات المتحدة.
وقد أدى قرار وزارة الخزانة الأمريكية المفاجئ إلى تراجع أسعار سهم البنك في البورصات العالمية إلى 10 يورو، هو الأخفض منذ،1983، قبل أن يتحسن سعره إثر تدخل الإعلام الأوروبي (باستثناء البريطاني الموالي لواشنطن)، ببث ما يطمئن حمَلة أسهم البنك من قبيل «أن الغرامة التي توافق عليها البنك مع وزارة الخزانة الأمريكية لا تتجاوز 5.4 مليار دولار. كما أكد البنك في بيان أن بحوزته 215 مليار يورو من النقد والأصول القابلة للتسييل، وهو ما يوفر له وسادة مريحة للتعامل مع تحديات ومخاطر قصيرة أو طويلة الأجل.
اللافت في الأمر أن كبريات فخر الصناعة الألمانية التي شعرت بالمهانة من هذا الاستهداف الأمريكي المقصود لأحد رموز اقتصادها البارزة، وهو هنا «دويتشه بنك»، لم تشأ أن تحرك ساكناً ولا حتى التفوه بكلمة تعبر عن ضيقها وسخطها على هذا الاستهداف. فقد اكتفى رئيس شركة صناعة السيارات الألمانية «دايملر»، ديتر زيتشه، ورئيس شركة «إي.أون» لتوليد الطاقة الكهربائية يوهانس تيسن، ورئيس شركة «سيمنز» جو كيسر، بالقول إن «دويتشه بنك مهم جداً للاقتصاد الألماني وإنه يمثل أحد أكبر صروحه في الأسواق العالمية». ولكن، والحق يقال، فقد أبدى عدد من الشركات الألمانية الكبرى استعداده لضخ رؤوس أموال في «دويتشه بنك» إذا اقتضت الضرورة لدعم المصرف، وقد تشتري هذه الشركات أسهم المصرف الألماني لتعزيز احتياطاته.
وفي حين اتخذ عدد من الواجهات الإعلامية البريطانية موقفا أقرب إلى الشماتة الرخيصة إزاء ما تعرض له «دويتشه بنك»، فإن مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد وجهت بدورها تحذيرات شديدة اللهجة للمصرف الألماني، مؤكدة حاجته لإجراء إصلاح في نماذج أنشطته، والتوصل بسرعة إلى اتفاق مع الجهات المعنية في الولايات المتحدة بشأن الغرامة المالية المفروضة عليه!
الغريب أنه بعد كل هذا الإذلال، لم تجد السلطات الحاكمة في واشنطن أية غضاضة من الطلب من الحكومة الألمانية التحرك نيابة عنها لتصميم حزمة عقوبات اقتصادية جديدة ضد روسيا على خلفية التصعيد الأمريكي - الروسي الأخير في أحداث سوريا. ويبدو أن برلين التي ترى في هذه العقوبات إغلاقات غير مرغوب فيها أمام الأوروبيين في أسواق السلع والخدمات والاستثمار الروسية، إلا أنها لا تستطيع إغضاب واشنطن ومعاكسة رغباتها..رغم تجرعها مرارة اضطرار «دويتشه بنك»، ضحية الابتزاز الأمريكي الجديدة، يوم الخميس 6 أكتوبر/تشرين الأول 2016 لتقليص طاقم موظفيه العاملين في جميع أنحاء العالم بالإعلان عن خطة جديدة لتسريح 1000 موظف من العاملين فيه، ليتقلص العدد الإجمالي لموظفي البنك إلى 4000 موظف من 9000، وذلك نتيجة «للغزوة» المالية الأمريكية الداهمة لخزينة البنك!
(المصدر:الخليج الإقتصادي2016-10-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews