Date : 18,04,2024, Time : 03:50:32 PM
2442 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الثلاثاء 16 محرم 1438هـ - 18 أكتوبر 2016م 01:03 ص

قراءة مشرقية للانتخابات المغربية

قراءة مشرقية للانتخابات المغربية
فهمي هويدي

الانتخابات التى جرت فى المغرب بعثت إلينا برسائل تهمنا، إلا أننا لم نتسلمها ولم نقرأها.

(١)

احتدمت المعركة بين ٢٧ جزبا لشغل ٣٩٥ مقعدا فى البرلمان. إذ جرى الصراع بين ١٤١٠ لائحات ضمت ٦٩٩٢ مرشحا. بعد الفرز تقدم الفائزون حزب «العدالة والتنمية» ذا المرجعية الإسلامية، حيث حصل على ١٢٥ مقعدا، فى حين احتل المرتبة الثانية حزب «الأصالة والمعاصرة» الذى يرفع راية الليبرالية والعلمانية وحصد ١٠٢ مقعد. بقية المقاعد توزعت على ١٠ أحزاب إضافة إلى نفر من المستقلين.

كانت تلك هى المرة الثانية التى يحتل فيها حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى بين الفائزين، المرة الأولى فى تاريخ ما بعد الاستقلال (عام ١٩٥٦) وفى تاريخ الحزب تمثلت فى نتائج انتخابات عام ٢٠١٢. وهى أول انتخابات جرت فى ظل الربيع العربى بعد انطلاق شرارته من تونس، إذ كانت انتفاضة الشباب المغربى فى ٢٠ فبراير من أبرز أصدائها التى حركت المياه الساكنة ودفعت الملك إلى إجراء بعض الإصلاحات تجاوبا مع مطالب الجماهير التى خرجت إلى الشوارع.

أحدثت الإصلاحات تغييرا نسبيا من داخل نظام الدولة المستقر منذ ١٢ قرنا، الأمر الذى جعل الحزب ذا المرجعية الإسلامية ينتقل فى أول انتخابات لاحقة من المعارضة فى البرلمان إلى رأس قائمة الفائزين. وهو ما أتاح للأمين العام للحزب عبدالإله بنكيران أن يرأس الحكومة لأول مرة، التى شكلها مع ثلاثة أحزاب اثنان منها أقرب إلى اليسار (التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية).

ما أثار الانتباه فى تجربة السنوات الأربع اللاحقة أن الحكومة أقدمت على عدة إجراءات اقتصادية يفترض أن تؤثر على شعبيتها (مثل رفع الدعم عن المحروقات وزيادة الخصومات من أجور الموظفين لتغطية العجز فى صندوق التقاعد والاتجاه لتعويم العملة) إلا أن ذلك لم يضعف الموقف الانتخابى للحزب الحاكم. أغلب الظن لأنه كسب ثقة الرأى العام واعتنى فى ذات الوقت بأمر الطبقات الفقيرة، من خلال إجراءات أخرى (مثل إنشاء صندوق رعاية الأرامل).

(٢)

على رأس الرسائل التى نقرؤها فى تجربة الانتخابات المغربية أن الدول التى نجح فيها الربيع العربى باتت أكثر استقرارا من الناحية السياسية من الدول التى أجهضت أو فشلت فيها الدعوة إلى التغيير. وهو الحاصل فى المغرب وتونس. فى حين أن ما يوصف بالخراب العربى فى بعض كتابات المرحلة شاع فى الأقطار التى تعرض فيها الربيع العربى للانتكاس فى المشرق بوجه أخص. وهى خلاصة على النقيض تماما مما تروج له بعض الأبواق فى دول عدة بالمنطقة، حين تحمل الربيع العربى المسئولية عن الفوضى التى حلت ببعض الأقطار.

تتصل بما سبق رسالة أخرى خلاصتها أن الربيع العربى لم ينته ولم يفشل، كما أن الثورة المضادة لم تحقق مرادها الذى سعت إليه منذ اللحظات الأولى فى عام ٢٠٠١. وأذكر هنا بما سبق أن قلته من أن الربيع الحقيقى لا يتمثل فى مجرد تغيير الأنظمة، ولكنه يتجلى فى شوق الإنسان العربى إلى التغيير الذى يكفل له حقه فى الكرامة وفى العدل. من هذه الزاوية فإننا نرى الآن أن الحراك مستمر علنا فى المغرب وتونس، كما أنه يتم تحت السطح فى أقطار عربية عدة.

كما أثبتت التجربة المغربية أن هبوب رياح الربيع العربى لايزال مستمرا، فإنها كشفت أيضا عن أن جهود الثورة المضادة لم تتوقف من محاولة إفشال التجربة. وإذا كانت مساندة الجماهير المغربية للحكومة حزب العدالة والتنمية من قرائن استمرار الربيع، فإن المعركة الانتخابية بينت أن الثورة المضادة لم تغب عن الساحة المغربية، وأنها بذلت جهدا كبيرا لهزيمة حزب العدالة والتنمية. والتحرك الذى مارسته الثورة المضادة كان له مصدران هما: الدولة العميقة فى المؤسسة المغربية التقليدية والمال الخليجى الذى حاول التأثير على النتائج بمختلف السبل. وكان للطرفين دورهما فى القفزة التى حققها حزب الأصالة والمعاصرة (المحسوب على القصر) بحيث ضاعف من عدد مقاعده فى البرلمان. ذلك أنه فاز بـ٤٧ مقعدا فى برلمان عام ٢٠١٣، لكنه هذه المرة وبتأثير العوامل المساعدة السابق ذكرها حصد ١٠٢ من المقاعد (حزب العدالة والتنمية كان له ١٠٧ مقاعد وارتفع رصيده هذه المرة إلى ١٢٥ مقدعا). وهو ما دعا الأمينة العامة للحزب الاشتراكى الموحد نبيلة منيب إلى معاتبة بقية الأحزاب المغربية على سكوتها إزاء هذه القفزة المريبة التى تثير الشك حول تدخل جهات بذاتها لرفع رصيد حزب الأصالة والمعاصرة.

(للعلم: الدور الإقليمى للثورة المضادة لم يتوقف فى تونس. ومن المعلومات ذات الدلالة فى هذا الصدد أن الرئيس التونسى السبسى عرض عليه عشرة مليارات دولار ليفض شراكة حزب «نداء تونس» الذى يرأسه لكنه رفض العرض).

(٣)

حين رفع حزب «الأصالة والمعاصرة» فى معركته الانتخابية شعار «لا لأسلمة المغرب» فإن اختياره لم يكن موفقا، لأنه اقتبس الشعار الذى شاع تداوله فى المشرق لإقصاء الإسلام السياسى، وفى ذلك فإنه تجاهل أن المغرب بلد على رأسه ملك يوصف بأنه «أمير المؤمنين»، وهو من يتولى تدبير الشأن الدينى من خلال المجلس العلمى الأعلى والمجالس العلمية المحلية التى تتبع وزارة الأوقاف. فى الوقت ذاته فإنه عمد على إدماج حزب العدالة والتنمية فى الحياة السياسية وأتاح له فرصة التنافس مع الأحزاب الأخرى.

تعامل النظام (المخزن فى المصطلح المغربى) مع التيارات الإسلامية كان واعيا وذكيا من البداية. ذلك أنه اعتمد سياسة الفرز والاحتواء. فميز بين الحزب الذى أعلن التزامه بالمرجعية الإسلامية، وبين الجماعات السلفية الرافضة للعبة السياسية (جماعة العدل والإحسان التى قاطعت الانتخابات) وبين الجماعات الجهادية التى تعتمد العنف سبيلا إلى التغيير، وكما تعامل النظام بذكاء مع حزب العدالة والتنمية معتمدا نهج الاحتواء وليس الشيطنة، فإن الحزب بادل النظام نفس الأسلوب. إذ مارس السياسة منفصلا عن وعائه الأصلى المتمثل فى حركة التوجيه والإصلاح. التى تمارس الدعوة حتى الآن بمعزل عن الحزب. وفى الوقت ذاته فإنه عمل فى السياسة من باب التوافق والائتلاف. ووجد فى أوساط اليسار المعتدل عونا له على إنجاح تلك السياسة. وهو ما حدث فى الحكومة التى تشكلت فى عام ٢٠١٢، كما أنه الحاصل فى الوقت الراهن. وهو ما سمعته من الدكتور سعد الدين العثمانى وزير الخارجية الأسبق ورئيس الحزب، والأستاذ حسن الداودى نائب الأمين العام للحزب، إذ أكدا أن مشاورات التشكيل التى ستنطلق فى الأسبوع المقبل تستهدف تحقيق الائتلاف، الذى يشكل جزءا من استراتيجية الحزب، فضلا عن أنه بات ضروريا لكى تحصل الحكومة على الأغلبية المؤيدة لها فى البرلمان. (توفير ثقة البرلمان فى الحكومة يحتاج إلى أغلبية ١٩٨ مقعدا، ولأن حزب العدالة والتنمية له ١٢٥ مقعدا فقط، فهو بحاجة إلى ٧٣ معقدا من ممثلى الأحزاب الأخرى التى ستشكل الائتلاف الحكومى).

(٤)

فى الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها المغرب المثقل بالديون، وإزاء مخلفات الاستبداد والفساد التى تراكمت خلال عدة عقود سابقة فإن تسيير دفة الحكم والحفاظ على الاستقرار فى البلد بات يعد من التحديات الكبرى التى تواجه أى حكومة، ناهيك عن أن تكون قيادتها ذات مرجعية إسلامية تواجه ضغوطا شديدة من خصوم الداخل والثورة المضادة فى الخارج التى أجضهت تجارب أخرى بالمنطقة. ورغم أن الخصوم السياسيين فى الداخل ما برحوا يستخدمون أوراق الشيطنة المعتمدة فى المحيط العربى، فإن تنامى شعبية حزب العدالة والتنمية عمق من الاستقطاب فى داخل الطبقة السياسية التى منيت أحزابها التاريخية والتقليدية بهزيمة موجعة فى الانتخابات الأخيرة (حزب الاستقلال خسر ١٦ مقعدا وحزب الاتحاد الاشتراكى خسر ١٩ مقعدا). أما اليسار الذى تراجعت حظوظه كثيرا فإنه انقسم بين دعاة للتعاون مع حزب العدالة والتنمية والمشاركة فى الائتلاف، وخصوم رافضين للحزب ولمرجعيته الإسلامية. وبسبب ضعف الأحزاب الوطنية، فإن الالتفاف الشعبى حول حزب العدالة والتنمية ولجوءه إلى التحالف مع أحزاب الأقلية ساهما إلى حد كبير فى تحقيق الاستقرار، رغم المناكفات التى يشنها حزب الأصالة والمعاصرة بين الحين والآخر، من خلال رموزه وأبواقه الإعلامية.

الرسالة هناك أن الظروف الصعبة تظل الأحوج إلى اتباع سياسة الاحتواء والتوافق، وهى التى تشكل ضمانة قوية للاستقرار، الذى يضطرب ويهتز طالما استمر الإقصاء وتعمقت الخصومة. ولعمرى فإن ذلك من أهم عوامل نجاح التجربتين فى المغرب وتونس التى تحتاج إلى دراسة موسعة وإعادة تأهيل لرموز الطبقة السياسية التى تدير الصراع فى العالم العربى.

(المصدر: الشروق 2016-10-18)




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد