Date : 29,03,2024, Time : 11:09:44 AM
4166 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 15 محرم 1438هـ - 17 أكتوبر 2016م 02:11 ص

الفكر الاقتصادى.. وأزمتنا الراهنة

الفكر الاقتصادى.. وأزمتنا الراهنة
د‏.‏ جلال أمين

الأزمة الاقتصادية الحالية فى مصر، برغم شدتها وقسوتها، ليست بالطبع فريدة من نوعها فى العالم، ولا فى التاريخ الاقتصادى المصري.

من الممكن أن نذكر مثلا ما حدث للاقتصاد اللبنانى لفترة تزيد على عشر سنوات، بين منتصف السبعينيات والثمانينيات، من جراء الحرب الأهلية، وللاقتصاد العراقى لأكثر من عشرين عاما بسبب الحصار الاقتصادى الذى فرض على العراق عقب غزو العراق للكويت فى 1990، ثم بسبب الغزو الأمريكى للعراق فى 2003، كذلك عانت معظم الشعوب الأوروبية معاناة شديدة لما حدث لاقتصادها خلال الحربين العالميتين، حيث شحت الأيدى العاملة بسبب تجنيد الناس للحرب، وتقلص إنتاج السلع الاستهلاكية بسبب تحول الإنتاج لخدمة الحرب، وزادت صعوبات نقل السلع من مكان لآخر، وارتفعت معدلات التضخم، ولكن الأزمة الاقتصادية تجاوزت أوروبا بكثير خلال الثلاثينيات التى عرفت بفترة «الكساد الكبير»، وعانت مصر منها كما عانت غيرها من الدول، باستثناء الدول الاشتراكية التى فرضت حول نفسها سياجا منيعا من الاعتماد شبه الكامل على النفس: عمالة وسلعا ورءوس أموال.

كان القطن هو سلعة التصدير الرئيسية لمصر فى ذلك الوقت، والتى حلت محلها الآن السياحة، وقد عانت صادرات القطن حينئذ مثل سائر الصادرات، بسبب التدهور الشديد فى معدلات التجارة الدولية نتيجة للكساد العام، كما تعانى السياحة فى مصر الآن بسبب تدهور الأمن، تدهورت أيضا خلال الثلاثينيات معدلات تدفق الاستثمارات العالمية، إذ لم تكن تتكون، خلال فترة الكساد، فوائض من رءوس الأموال التى تبحث عن فرص للربح فى الخارج، فتدهور معدل مجيء رءوس الأموال الأجنبية إلى مصر، مثلما تدهور معدلها الآن بسبب تدهور الأمن أيضا وعدم الاستقرار السياسي.

كان لابد إذن أن تزداد معدلات البطالة فى مصر خلال الثلاثينيات، وهو ما انعكس فى تفاقم البطالة المقنعة فى الريف، وزيادة الهجرة من الريف إلى المدينة للعمل فى الخدمة المنزلية ومختلف الأعمال الرثة. لم يسترد الاقتصاد المصرى عافيته بعد أزمة الثلاثينيات، التى جاءت بين حربين عالميتين مدمرتين ، إلا فى منتصف الخمسينيات، فتدل تقديرات متوسط الدخل الحقيقى للفرد فى مصر، على أنه لم يستعد مستواه الذى تحقق قبيل الحرب العالمية الأولى إلا بعد أربعين عاما، ثم بدأ يرتفع مع تأميم قناة السويس فى 1956، وما أعقبها من برامج التصنيع وخطة التنمية. نحن الآن نمر بأزمة اقتصادية عاتية أخري، منذ قامت ثورة يناير 2011، وكادت الأزمة، مثل الثورة، تتم سبع سنوات من عمرها، فما الذى يمكن أن نغيره من الفكر الاقتصادى الذى ولدته أزمة الثلاثينيات، وأسهم بلا شك فى خروج العالم منها؟ نحن نعرف الدور المهم الذى لعبه الاقتصادى الانجليزى الشهير جون مينارد كينز (J.M.Keyns)، وكتابه «النظرية العامة فى العمالة وسعر الفائدة والنقود» (الصادر فى 1936) فى انتشال الاقتصاد الغربى من أزمته (بالإضافة إلى دور الانفاق الحكومى خلال الحرب العالمية الثانية)، وكيف انتشر تطبيق السياسة الكينزية بعد انتهاء هذه التحرب، لفترة تقرب من ربع قرن، حتى قال سياسى أمريكى كبير فى أواخر الستينيات: «لقد أصبحنا جميعا كينزيين الآن»، ومن ثم لم ينته عقد الستينيات إلا وقد حلت العمالة الكاملة محل البطالة، فما سر هذه الوصفة الكينزية السحرية التى قضت على الأزمة الاقتصادية فى العالم؟ وهل تصلح أيضا للقضاء على الأزمة الاقتصادية المصرية الراهنة؟ إنى أزعم، برغم ما بين ظروف الأزمتين من اختلافات مهمة، أن الحل الكينزى مازال هو الحل الملائم للحالة المصرية الآن. إنه من الممكن النظر إلى الحل الكينزى لمشكلة البطالة على أنه يتكون من جزءين: جزء «قومي»، أى يتعلق بما يجب أن تفعله الدولة فى داخل حدودها، والآخر «دولي» يتعلق بعلاقاتها مع الدول الأخري، أما الحل القومي، أو الداخلي، فيتلخص أساسا فى ضخ المزيد من الإنفاق العام (أى الحكومي)، وتشجيع الزيادة فى الإنفاق الخاص، بتخفيض الضرائب (لتشجيع الإنفاق العائلي)، وتخفيض سعر الفائدة (لتشجيع الاستثمار)، زيادة الإنفاق، عاما كان أو خاصا، سوف يرفع مستوى الطلب فى المجتمع ككل، وهذا سيشجع المنتجين على زيادة الإنتاج ومن ثم تشغيل المزيد من العمال، ومن المهم هنا مراعاة ما يعرفه الاقتصاديون باسم «أثر المضاعف» (multiplier)، إذ ليس كل زيادة فى الإنفاق لها نفس الأثر فى زيادة الطلب الكلي، إن كل انفاق على سلعة أو خدمة يحفز على انفاق جديد على سلع وخدمات أخري، فتكون له آثار «مضاعفة»، ولكن هذه تختلف بين حالة وأخري، فالسلع التى تعتمد على استيراد كثيف «يضيع» جزء كبير من الانفاق عليها فى صورة انفاق فى الخارج، فلا يولد عمالة بنفس القدر فى الداخل، والانفاق على إنشاء جامعة جديدة مثلا ليس له من الآثار المضاعفة فى رفع مستوى الطلب والعمالة مثلما لإنشاء مصنع جديد أو تشغيل مصنع قديم متوقف عن العمل..الخ.

وأما الجزء الدولى أو الخارجى من الحل الكينزي، فيتلخص فى فرض قيود على الواردات وتشجيع الصادرات، فالصادرات جزء من الطلب الكلى على ما تنتجه الدولة، ومن ثم تؤدى زيادتها الى زيادة العمالة، والواردات تمثل خصما من هذا الطلب، ومن ثم تعتبر خصما من الزيادة المرجوة فى العمالة. السؤال الجوهرى الآن: أين نحن فى مصر الآن من هذه الحلول الكينزية؟ نعم، العالم الآن ليس كما كان منذ ثمانين عاما، الدولة القومية أضعف الآن، والعولمة أشد، ومن ثم فقدرة الدولة على التحكم فى الطلب الداخلى أضعف مما كانت، وقدرتها على فرض الحماية لمنتجاتها تواجه قيودا أشد، فى صورة الاتفاقات الدولية وغيرها، وعلى الرغم من ذلك، فمن الواضح أننا فى مصر لا نستغل الفرص المتاحة لنا باستخدام قوة الدولة فى الناحيتين، إن الاتفاقات الدولية تقلل حقا من حريتنا فى التدخل بتقييد الاستيراد، ولكن فيها ما يسمح لنا بالتدخل المطلوب لعلاج مشكلة البطالة.

والدولة مهما يكن ضعفها إزاء الشركات العملاقة، مازالت قوية على المواطنين، فما بالها، بدلا من أن تفعل اللازم لزيادة الطلب تبدو وكأنها تفعل العكس بالضبط؟ تزيد الضرائب بدلا من خفضها، مما يخفض من الدخول ويرفع الأسعار، وكلاهما يخفض من حجم الطلب الكلي، وتصر على أن تتخذ الزيادة فى الانفاق الحكومى صورة الانفاق على مشروعات ضخمة لا يقال لنا شيء عن حجم العمالة المنتظرة منها، ولا تجرى مقارنتها بمشروعات أصغر وأقل تكلفة ولكنها يمكن أن تسهم مساهمة أكثر فعالية بكثير فى زيادة العمالة، كل ما يقال لنا هو أن العاصمة الجديدة مثلا (التى تسمى أيضا بالعاصمة الإدارية) ستحتوى على مساكن جديدة، ومبان للسفارات، وجامعة جديدة، وحدائق وأماكن للترفيه..، ولكن لا يقال لنا شيء عن مدى مساهمتها فى حل الأزمة الاقتصادية الراهنة.

(المصدر: الاهرام 2016-10-17)




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد