Date : 20,04,2024, Time : 12:23:50 PM
3548 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الجمعة 12 محرم 1438هـ - 14 أكتوبر 2016م 12:50 ص

قيصرية بوتين: بربرية سكرى… يُراق على جوانبها الدم!

قيصرية بوتين: بربرية سكرى… يُراق على جوانبها الدم!
صبحي حديدي

رغم أنّ شرائح واسعة في الشارع الروسي تعتبر فلاديمير جرينوفسكي مجرّد مهرّج يستخدمه الكرملين لتسخين الرأي العام الروسي، أو لجسّ نبض الاحتجاج والرضا، والحراك والركود، في الأوساط الشعبية الفقيرة بصفة خاصة؛ فإنّ حزبه القوموي المتطرف (وأولى العجائب أنّ اسمه «حزب روسيا الليبرالي الديمقراطي»!)، حلّ ثالثاً في الانتخابات التشريعية الروسية الأخيرة. جرينوفسكي، إلى ذلك، حليف موثوق/ تابع أمين لحزب «روسيا الموحدة»، الذي حلّ أوّلاً، ويُعدّ عملياً حزب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومطية «الديمقراطية» الروسية ما بعد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين (1931 ـ 2007)، وانتهاج بوتين مبدأ التناوب على الرئاسة مع ظلّه الطيّع ديمتري مدفيديف.

وجرينوفسكي لا يهدد خصوم «روسيا العظمى» بما هو أقلّ من السلاح النووي: قنبلة ذرية تبيد اسطنبول عن بكرة أبيها (أيام التوتر الروسي ـ التركي، السنة الماضية)؛ قنبلة أخرى تمحو، تماماً، جزيرة دونباس على الجبهة الأوكرانية (200 ألف نسمة)؛ وإذا لم يكن الدرس بليغاً بما يكفي لردع أمريكا وأوروبا، فإنّ برلين على مرمى الرؤوس النووية الروسية…! وهو لا يحثّ أمريكا على انتخاب دونالد ترامب، وليس هيلاري كلنتون، فحسب؛ بل يهدد بالويل والثبور: «فليدرك الأمريكيون الذين سيصوتون في 8 تشرين الثاني (نوفمبر)، أنهم يصوتون من أجل السلام على الكرة الأرضية إذا انتخبوا ترامب. لكنهم إذا انتخبوا هيلاري، فإنها الحرب. سيكون فيلماً قصيراً. ستكون هناك هيروشيما وناغازاكي في كلّ مكان».

ثمة بُعد تهريجي في سلوك، ومواقف وتصريحات، جرينوفسكي، لا ريب في هذا؛ غير أنّ الرجل، بما ينبش من أحقاد قوموية وانحيازات عنصرية، يزرعها في أذهان شرائح غير قليلة من الروس؛ وما يثيره في النفوس من نوستالجيا إمبراطورية (نموذجه الأعلى هو القيصر ألكسندر الثالث)؛ وما يترجم، على نحو فجّ وشعبوي وغوغائي، من سياسات بوتين… كلّ هذا، وسواه، يجعل منه ظاهرة تتجاوز، بكثير، مستوى التهريج والتنفيس وجسّ النبض. إنه ممثّل قطاع غير بسيط من أبناء روسيا المعاصرة، ممّن لا يكفيهم اليقين بحقّ الروس في استعادة أمجادهم السالفة وإحياء الرفعة الإمبراطورية القيصرية؛ بل تتناهبهم رغبات جارفة، متقاطعة ومتناقضة ومتصارعة، في تحقيق هذا الغرض عبر القوة والجبروت والهيمنة والتوسع…

وفي الخلفية الاجتماعية ـ الإيديولوجية، ثمة معركة حامية الوطيس، تحتدم في الخفاء تارة أو في العلن طوراً؛ بين استقطابين عملاقين تتمحور من حولهما وتلتقي فيهما، أو على النقيض منهما، جملة التيارات الشيوعية، والليبرالية، والاشتراكية الإصلاحية، و»اشتراكية السوق»، والنزعات القومية المعتدلة أو تلك المتطرفة. وكانت المعركة تصنع كلّ يوم، وتُبلور أكثر فأكثر، تيّارين مركزيين باتا جزءاً لا يتجزأ من الفسيفساء المعقدة التي رسمت قسمات روسيا ما بعد الحرب الباردة: الاستقطاب الاستغرابي (نسبة إلى الغرب)، والاستقطاب الأورو ـ آسيوي (نسبة إلى موقع روسيا الفريد على التخوم الحاسمة لقارّتين شهدتا وتشهدان أعمق الصراعات الحضارية على مرّ التاريخ).

ولكي لا يخوض المرء على الفور في المستنقعات العكرة لأطوار ما بعد الحرب الباردة (خصوصاً بعد أن تكفّل التاريخ ذاته بإلحاق الهزيمة النكراء بالنهايات التي سارع إلى تلفيقها أمثال فرنسيس فوكوياما)، تجدر الإشارة إلى أن هذين التيارين لم يولدا على حين غرّة. والباحث الروسي فلاديمير بيلينكين رصد الأجنّة الأولى منذ السبعينيات، في الأوساط الإيديولوجية والفكرية القريبة من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي والأجهزة البيروقراطية العليا، فضلاً عن الـKGB. وغنيّ عن القول إن هذين الاستقطابين كانا يتناميان في حاضنة مناسبة للغاية، أبرز عناصرها:

ـ قوّة عظمى تملك ثاني ترسانة نووية في العالم، ولكنها تنزلق رويداً رويداً إلى مصافّ المقاييس التقليدية لدولة عالمثالثية، في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، فضلاً عن سمات عديدة على صعيد الثقافة.

ـ إقتصاد نهض على التصنيع الثقيل، ولكنّ أساسه الوطني صار يعتمد على تصدير المواد الخام واستيراد المنتجات الغذائية المصنّعة، فتزايد ارتهانه للرأسمال الأجنبي والاستثمارات المتعددة الجنسيات.

ـ تباين صارخ في التوزيع الاجتماعي للثروة القومية، وشروخات حادة بين الأغلبية الأكثر فقراً وبؤساً، والأقلية المنعمة المنشطرة بدورها إلى كومبرادور رأسمالي متحالف مع الشركات الغربية العملاقة، وقطاعات طفيلية متحالفة مع المافيات الداخلية ومجموعات الضغط القوموية.

لكنّ المرتكز العقائدي للاستقطاب الاستغرابي الروسي بدأ من إعادة النظر في الثورة الروسية والطور السوفييتي بوصفهما إجهاضاً للمسار التاريخي الكوني الطبيعي الذي كان سيفضي بروسيا إلى النظام الرأسمالي، كما هي حال أوروبا والغرب إجمالاً. من هنا دعا هؤلاء إلى تصحيح ما أسموه بـ»الخطأ التاريخي» الفادح، والعودة بالاقتصاد السياسي والنظرية الاجتماعية إلى «الينبوع»: إلى آدم سميث ومفهومه للمجتمع المدني المنظّم ذاتياً، وإلى مدرسة شيكاغو الاقتصادية في أقصى تمثيلاتها اليمينية (جورج شولتز، وأضرابه). وبالطبع، لم يكن من هامش عند هؤلاء للتفكير في الديمقراطية بمعزل عن الليبرالية والسوق المنفلت من كل عقال، ولا مجال أيضاً لأية عقلنة في اقتباس الأنساق الثقافية السائدة في النماذج المعاصرة من المجتمعات الرأسمالية. وهكذا كان يتمّ استيراد الليبرالية والثاتشرية والريغانية والتفكيكية وما بعد الحداثة، تماماً كاستيراد سيارات المرسيدس والأوبرا الصابونية والـ»سيكس شوب» وعنف شوارع لوس أنجليس والبغاء المخملي.

ولكن خطّ التدهور الموضوعي الملازم لهذا الانفتاح البربري كان كفيلاً باستيلاد القطب الأخلاقي النقيض له، أي ذاك الذي يدغدغ «روح روسيا» وماضيها الأدبي والفكري والفنّي والعلمي. وهكذا فإنّ دعاة هوية روسيا الأورو ـ آسيوية لم يتورعوا عن وصف الحضارة الغربية بـ»الظاهرة الكولونيالية الإثنو ـ ثقافية»، التي تستخدم الاقتصاد والسياسة والثقافة والجيوش لإخضاع الحضارات الأخرى، وإجهاض مسارات تطورها الطبيعية. أكثر من ذلك، وبدل الذهاب إلى آدم سميث، توقف الأورو ـ آسيويون عند الأنثروبولوجيا الثقافية لكي يشددوا على أن الروس جزء رائد في عائلة الشعوب التي حكمت وجودها، وصنعت حضارتها، قيمٌ أخرى مختلفة عن تلك التي أشاعتها وفرضتها أوروبا «الرومانية ـ الجرمانية».

وفي الحصيلة، كانت أطروحات المستغربين تقرّب بيوتات المال والمافيا، وتنفّر عامة الشعب؛ وكانت أطروحات الأورو ـ آسيويين تفضي إلى العكس: إثارة حفيظة المستثمرين والصيارفة والليبراليين والتكنوقراط، واجتذاب سلسلة التناقضات العقائدية التي تجمع الحزب الشيوعي والحزب الزراعي وحزب جرينوفسكي القوموي العنصري… وفي القياس على الموقف من البربرية الروسية في حلب، على سبيل المثال الراهن الحيّ، ثمة إجماع عريض لدى غالبية واسعة، من أبناء العامة وأبناء الصفوة، الـ»موجيك» مثل الشاعر والسينمائي والتشكيلي، رجل الأعمال أسوة بالأكاديمي العالِم… أنّ القاذفات الروسية تدافع عن مجد روسيا، ولا ضير ـ هكذا حرفياً: نعم! ـ أن يُراق دم السوريين على مخاض تلك القيصرية البوتينية البربرية؛ ولا مشكلة، أخلاقية هذه المرّة، في أن يكون العنوان العريض هو خدمة نظام بدأ من الاستبداد والفساد، ويترنح وينتهي في غمرة جرائم الحرب بحقّ مئات الآلاف، وممارسة التطهير العرقي، وتشريد الملايين، وتسليم مقدرات البلد إلى دول وقوى وميليشيات خارجية.

هي قيصرية بوتينية تسكرها حال المتفرج مكتوف اليدين، التي تتخذها القوة العظمى الأولى، أمريكا. الأمر الذي لا يُسقط عن الكرملين صفة مخلوق ديناصوري نووي، مغترب عن هويته، رهين توصيف اختصره الجنرال ألكسندر ليبيد هكذا، ذات يوم غير بعيد: «روسيا ضائعة حائرة بين فكرتين: واحدة قديمة أسالت أنهاراً من الدماء، وأخرى جديدة لم تتحقق إلا على نحو رديء». يلزمها، استطراداً، المزيد من الدماء والجثث والأشلاء!

(المصدر: القدس العربي 2016-10-14)




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد