بري الشهر والبال الطويل

سيكون من المؤلم لو أقام المواطن اللبناني مقارنة ولو شكلية بين المناظرة التي جمعت هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، والضباب الكثيف الذي يطبق على الإستحقاق الرئاسي الغارق عندنا في الفراغ والهامشية منذ عامين وثلاثة أشهر.

ليست هذه محاولة للمقارنة بين أميركا لبنان، لأن المقارنة تصبح سخرية حقيقية مما وصلنا إليه. ولكن على رغم كل هذا فقد أطلقت عودة سعد الحريري، الذي قال إنه لن يعود قبل حل عقدة الإستحقاق الرئاسي، كل شياطين التأويل والتفسير والتبصير على خلفية ما بدا أنه إنقلاب جديد يدفعه من دعم ترشيح سليمان فرنجية الى دعم ترشيح ميشال عون، وهو بالنسبة الى البعض في "المستقبل" وغيره إنتقال من تحت الدلف الى تحت المزراب.

لا يستطيع المرء سوى الإعجاب بقبعات نبيه بري وأرانبه الذكية. فقد كان واضحاً بعد الجلسة رقم 45 لإنتخاب رئيس، التي انعقدت الأربعاء، أنه تعمّد أعطاء الحريري مهلة ٣٣ يوماً لاجتياز الحواجز التي عليه اجتيازها لإطلاق الإستحقاق العالق في أمكنة كثيرة، وإن بدا تحديده يوم ٣١ تشرين الاول موعداً للجلسة رقم ٤٦ بالنسبة الى البعض عقاباً بطريقة التعليق على عقارب الساعة السمّاعة، لكنه سيبدو للحريري والمستعجلين فرصة سماح لقفز الحيط!

الحيط، لا بل قُلّ الحيطان وما أكثرها في "بيت المستقبل" وفي بيوت سياسية كثيرة، بدأت بالصلوات ووضع النذورات على نية وليد جنبلاط "ويا لطيف تجعل البلاء خفيف"، خصوصاً انه اذا تمّ انتقال خيار الحريري من فرنجية الى عون، فإن حسابات ومواقف الكثيرين من النواب والكتل النيابية ستكون عرضة للتبدل والإختناق.

في السياق يبدأ مشوار الحريري مع نوابه في "تيار المستقبل"، طبعاً بعد ان يكون قد أجرى حساباته الضرورية لئلا يتحوّل تأييده لعون كتأييد أمين الجميل لعون كما يقول فرنجية صراحة، ولئلا يكون مجرد رئيس لحكومة مرحلية تجري الإنتخابات في العهد الجديد وترسله الى البيت، ثم عندما يعود وائل أبو فاعور من الرياض "تيتي تيتي" كما قال بري ضمناً، فعلى الحريري ان يدرس خطواته ما لم يكن يحمل كلمة سر،ٍ وليس من الواضح انه يحملها، لأن السعودية ليست مشغولة بالشأن اللبناني كما يبدو!

هل الحواجز التي على الحريري اجتيازها في عين التينة أقل صعوبة من حواجزه الشخصية؟ وهل الحواجز في المختارة التي تستمطر اللطيف لتخفيف البلاء أيسر من تلك التي سيواجهها ضمناً عند "حزب الله" الذي سيضع أمامه دفتر شروط عويصاً لمسار الحكومة التي عليها، ان لم تتبنَ سياسته، ان تتعامى عما يقوم به في الداخل والخارج وخصوصاً سوريا؟

٣١ تشرين الأول، إنه أطول شهر في التاريخ، لكنه أقصر من ثانية نسبة الى حواجز تعترض الحريري.

(المصدر: النهار 2016-09-30)