"ثنائية" بري والحريري... من يسعى لـ"فرطها"؟!

جي بي سي نيوز:- رغم أنّ كلاً منهما في معسكرٍ سياسيٍ، ظاهريًا على الأقلّ، إلا أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري يلتقيان عمليًا أكثر ممّا يفترقان...

منذ فترة طويلة، لم يكن الرجلان جزءًا من أيّ تحالفٍ سياسيٍ عريض، ولكنّ التلاقي بينهما شبه دائم، والتنسيق يكاد لا ينقطع، بدليل اللقاءات الدورية التي يعقدانها، و"الغزل" المتبادَل فيما بينهما، والذي تجلّى مؤخرًا بقول بري أنّه يدعم الحريري في محيطه السنّي، ظالِمًا أم مظلومًا.

وإذا كانت معارضة الرجلين لوصول رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية قرّبتهما من بعضهما أكثر في الآونة الأخيرة، فإنّ عين "التيار الوطني الحر" تبقى عليها لتشكيل "خرقٍ" من شأنه تغيير كلّ المعادلة!

حليفان غير معلَنَين؟

بخلاف كلّ ما يُقال، يبدو بري أقرب إلى "خصم الحليف"، أي الحريري، منه إلى "حليف الحليف"، أي عون. وتبدو الأمثلة على ذلك كثيرة. ولعلّ ما حصل في عطلة نهاية الأسبوع خير دليلٍ على ذلك، ففي حين كان الحزب يمدّ اليد إلى الحريري، عبر أرفع مسؤوليه وقياديّيه، لدفعه للموافقة على انتخاب عون رئيسًا، عبر تقديم ما يشبه "الإغراءات" له، كان بري يقدّم في المقابل الدعم لموقف "الشيخ سعد" المعارض لعون، معلناً أنّه لن ينتخبه بالضرورة، حتى لو وافق الحريري على ذلك.

ولا ينحصر التقارب بين "الأستاذ" و"الشيخ" بالموقف من الاستحقاق الرئاسي، الذي يشكّل فيه بري "رأس حربة" في مواجهة مرشح حليفه الأول، "حزب الله"، العماد ميشال عون. ومن الواضح أنّ بري كان "الداعم الأول" للحريري، حتى في أصعب الظروف والأوقات، وهو الذي أطلق مقولة أنّه مع الحريري لرئاسة الحكومة، ظالِمًا أو مظلومًا، رافضاً أن يحذو حذو بعض "رفاقه" في قوى الثامن من آذار ممّن حبّذوا "استغلال" تراجع الحريري داخل بيئته الحاضنة، بل في قلب تيّاره، للتصويب عليه.

ورغم خلافه المستفحل مع "حزب الله"، فإنّ الحريري لم يقابل يد بري الممدودة سوى بأفضل منها، من خلال زياراته المتكرّرة إلى عين التينة، وتنسيقه مع بري في كلّ شاردةٍ وواردةٍ قبل إقدامه على أيّ خطوة. ولعلّ دفعه لرئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة إلى "الاعتذار" مؤخرًا على كلامٍ "عفوي" قاله، واعتبر فيه أنّ رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد أحقّ من بري برئاسة المجلس النيابي إذا ما اعتُمِدت المعايير الشعبية، تمامًا كما تدخّله السريع لاحتواء السجال بين الأخير ووزير المال علي حسن خليل، يؤكدان بما لا يدع مجالاً للشك حرص الحريري على تمتين علاقته مع بري.

من هنا، يمكن الجزم بأنّ الرجلين متفقان على العديد من الثوابت والخطوط الحمراء، وعلى رأسها اتفاق الطائف، الذي يرفض بري كما الحريري المسّ به، بل إنّ رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط لا يبدو بعيدًا عنهما على الإطلاق، بالرغم من أنه يوحي، في بعض الأحيان، بأن لا مانع لديه من إنتخاب عون، تحت عنوان: "نريد أي تسوية". ويعود ذلك لرغبة هذا الثلاثي بالتمسك باتفاق الطائف، نظراً إلى أنهم كانوا أبرز المستفيدين منه، وهم من أجل ذلك لم يجدوا أفضل من رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لتبني ترشيحه، في حين أن عون، عن قصد أو غير قصد، يخطئ في كل مرة في الرسائل التي يرسلها على هذا الصعيد.

عون خاسرٌ؟

حينما يُحمَّل رئيس المجلس النيابي نبيه بري مسؤولية عرقلة وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، يسارع إلى رمي الكرة في ملعب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ومن خلفه المملكة العربية السعودية، لأنّه متى حصل "الجنرال" على موافقته، يصبح فوراً رئيساً للجمهورية، أرضي به أم لم يرضَ.

وفي المقابل، كلّما سُئل أحد قياديي تيار المستقبل عن ذلك، يحيل السائل فوراً إلى رئيس المجلس النيابي، على مبدأ أنّ المشكلة عنده بالدرجة الأولى، باعتبار أنّ "المستقبل" لن يعطّل نصاب أيّ جلسة لانتخاب عون، حتى لو ضمن أكثرية نيابية لصالحه، فضلاً عن كون أيّ رئيسٍ لا يمكن أن يصل إلى سُدّة الرئاسة من دون موافقة بري، ولو جاهر بخلاف ذلك.

انطلاقاً من ذلك، يعتقد كثيرون أنّ العماد عون قد يكون، بنظر بري والحريري، "المصيبة" التي جمعتهما. صحيحٌ أنّ كلاً منهما يحيل الاتهامات بعرقلة وصول الجنرال إلى الرئاسة إلى الآخر، ولكنّهما يبدوان متفقين ضمنياً على النتيجة، سواء أقرّا بذلك أم لم يفعلا، ما يجعل الأمر يبدو وكأنّه "توزيع أدوار" فيما بينهما. ورغم ذلك، يسعى عون إلى إحداث "خرقٍ" في هذه الثنائية، وهو يحافظ على "شعرة معاوية" مع الرجلين لهذا الغرض، لاقتناعه بأنّ لا سبيل له للوصول إلى قصر بعبدا من دون "جميلتهما".

وينطلق الرهان "العوني" الأساسي من "الفيتو" الذي يملكه، من خلال تحالفه مع "حزب الله"، والذي مكّنه من فرض معادلة "أنا أو لا أحد"، مهما قيل ويُقال عنها، بالإضافة إلى حاجة الحريري إلى التسوية التي تعيده إلى السراي الحكومي. وإذا كان "العونيون" يضغطون في هذا الاتجاه بشتى الوسائل الممكنة، فإنّ الحريري لا يزال يعاند، بالرغم من وجود جناح داخل معاونيه يعتبر أن لا حل إلا بالتوافق على "الجنرال"، لكن بضمانات لا يبدو أن "حزب الله" مستعد لها، من دون إهمال عامل العرقلة الخارجية، المتمثل بـ"الفيتو" السعودي" الرافض لإنتخاب رئيس تكتل "التغيير والإصلاح"، وهو ما كان دفع ثمنه السفير السابق علي عواض العسيري، الذي خرج إلى التقاعد بعد إنطلاق مشوار تقاربه من "الرابية".

من ينتصر؟

يكفي رصد الفوارق بين أسلوب تعاطي "القيادة" و"القاعدة" داخل "التيار الوطني الحر" مع كلٍ من بري والحريري لإدراك حقيقة الموقف منهما.

ففي وقتٍ تحرص القيادة على "مهادنة" الرجلين، قدر الإمكان، تصوّب "القاعدة" باستمرار تجاههما، لاقتناعها بأنّهما من يتحمّلان، أولاً وأخيراً، مسؤولية عدم وصول "الجنرال" للرئاسة.

وبين "الكيمياء المفقودة" بين عون وبري، التي عجزت وساطات "حزب الله" عن احتوائها، وخشية الحريري على ما تبقّى له من هيبة وشعبية، يبقى "الصبر العوني" وسيلة المواجهة الأقلّ ضرراً، فهل تفعل فعلها في النهاية، مهما طال الانتظار، أم أنّ الضغوط الشعبية المنتظرة ستسبقها؟ وهل تنجح هذه الضغوط في تحريك المياه الراكدة أو تضع "الجنرال" أمام تحد جديد لم يكن في الحسبان، خصوصاً أن "الحليف" الجديد، أي حزب "القوات اللبنانية"، لا يبدو راغباً بالدخول في معركة عنوانها: قيادة الجيش؟

المصدر:النشرة