مصر تغرق في الدماء..!!
الأول: أنه لن يستجيب أحد لدعوات الخروج في هذ اليوم"جمعة الغضب" بعد بحر الدماء خلال فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة" 14 أغسطس.
الثاني: أن السلطة ستكف عن استخدام القوة المفرطة، وأن تحتكم للعقل السياسي بعد سقوط هذا العدد الضخم من الضحايا، والتنديد العالمي الواسع، وعقد مجلس الأمن اجتماعا عاجلا لبحث العنف، وهو أمر جديد لم تشهده مصر من قبل.
لكن حصل العكس، فقد خرجت حشود في القاهرة والإسكندرية ومعظم المحافظات متحدية كل عنفوان الرصاص والقناصة، وغير عابئة بالموت المحقق الذي يمكن أن تواجهه، وقد سقط بالفعل المئات بين قتيل وجريح في هذا اليوم.
وقد تأكد أن السلطة ماضية في خيارها باعتماد القوة - وليس السياسة - وسيلة وحيدة لمواجهة مظاهرات، ليست من الإخوان والإسلاميين فقط، إنما من شرائح من المصريين تحتج على الاستهانة بحياة الإنسان، وتتخوف من العودة إلى الحكم البوليسي.
ما نشاهده في الفضائيات من فيديوهات، ولقطات حية، وكذلك روايات شهود العيان، والناجين، يسقط مزاعم السلطة من أنها لم ولن تقتل المصريين، لكنهم يُقتلون من دون توقف، فمن يقتلهم؟، هل هو الطرف الثالث؟، إذن اعتقلوا القناصة والبلطجية الذين نراهم يقنصون ويطلقون الرصاص الحي على مصريين عزل، واعتقلوا كل من يطلق الرصاص ويروع الآمنين، فهم جميعا الطرف الثالث إذن، إلا إذا كانت السلطة تعتبر أن المعتصمين والمتظاهرين لم يعودوا مصريين، إنما تعتبرهم إرهابيين ولذلك يستحقون الاستئصال من الوجود، فهل يكون هذا هو الحل بعد أن انتهى زمن الكلام، وأغلق باب الحوار الجاد؟، يبدو أن الحكومة أصدرت قرارا حاسما بعد بيانها بأن مصر تواجه مخططا إرهابيا من تنظيم الإخوان، لكن هذا استسهال في توصيف وتشخيص الأزمة، وهو تهرب من ضرورة حلها سلميا، بإدانة الخصم بتهمة تسوغ لها الخلاص منه بإجراءات قمعية، وأسلوب القهر لخصم سياسي لا يجدي أبدا لا في مصر، ولا في غيرها، ووفقا لهذا المنطق فهل مثلا يُعتبر كل المعتصمين الذين تم ذبحهم يوم الأربعاء الدامي - وما سبقه - هم من الإرهابيين الإخوان، فالاعتصام كان يضم شرائح عديدة من المجتمع؟، وهل الحشود التي خرجت للشوارع هم كلهم إخوان؟، ثم كيف يتحول الإخوان بين يوم وليلة من كونهم السلطة المنتخبة إلى تنظيم إرهابي؟، وكيف تسمح الحكومة لشخصيات ووفود دولية وعربية رسمية كبيرة بفتح السجون نهارا وليلا للقاء مرسي وخيرت الشاطر وهما - حسب توصيف الحكومة - يعتبران من كبار إرهابيي الإخوان؟، وهل تعتقد الحكومة أنه عندما يتم حشر الإخوان في خانة الإرهاب ستقنع العالم بمسارها الأمني ليدعمها في سحق أي صوت معارض، وهل المجتمع الدولي بلا عقل حتى يسير وراء هذه التهمة الفضفاضة بينما كان بالأمس يتعامل ويستقبل الرئيس المنتخب المنتمي للإخوان ومسؤولي نظامه، ثم ببساطة وبمجرد بيان يتم تحويلهم اليوم إلى إرهابيين؟، ومن سيثق في تهمة كهذه عندما تصدرها حكومة غير منتخبة ومدانة بسبب قتل المدنيين؟!.
واضح أن السلطة مرتبكة، وغير قادرة على الحكم الرشيد، أو التفكير الرشيد، وتنتهج أقصر طريق وهو محاولة القضاء على الخصم بالقتل، وهذا بؤس فكري وسياسي لأن الاحتجاجات ليست كلها إخوانية، والدم المراق يجلب المزيد من التعاطف معه، وكل من يسقط له عزيز فإنه يصير ضد السلطة، وينضم إليه كل من يمت له بصلة، أي إنها توسع دائرة خصومها بنفسها في الداخل والخارج، والشعب الذي تقول إنه معها يتفلت منها بعد الذي يراه، واستقالة شخص كبير ومؤثر دوليا مثل الدكتور محمد البرادعي يضعها في حرج بالغ ويكشف تهافت بعض مما تقوله.
من أسف أن السلطة التي جاءت لتنفيذ أهداف الثورة في الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية تستخدم نفس لغة بشار الأسد في أنها تحارب إرهابيين، وهي نفس لغة القذافي، ومبارك، وعلي صالح، وبن علي، وكل ديكتاتور يلجأ لتلك التهمة الجاهزة ضد خصومه أو الثائرين عليه لتشويههم وجلب تعاطف الغرب معه حتى يبقيه في الحكم، لكن الغرب الذي يحارب الإرهاب، ويكتوي بناره، لا يعقل أن يخون نفسه، ويتواطأ مع إرهابيين في مصر، ولا يعقل أن يكون غبيا إلى درجة عدم قدرته على التفريق بين الإرهاب الفعلي، وبين حق التظاهر والاعتصام السلمي؟!.
رغم بيان الحكومة بوصف الإخوان بأنهم تنظيم إرهابي فإن العالم الحر لم يصطف معها بعد، بل يزداد تشددا ولو أخلاقيا ضد سفك الدماء، فبعد الإدانة القوية لأوباما، ها هم الأوروبيون يدعون لتوجيه رسالة مشددة لتلك السلطة، وبرلين تصعد لهجتها وتعلن عن إعادة تقييم علاقاتها مع مصر، والأخطر أن تصل الأزمة لمجلس الأمن، وهذا مؤشر ربما يقود لتدويلها.
إلا الدم، فهذا مالا يمكن التسامح فيه، فكيف يرى الآن الفريق السيسي الصورة في مصر، وماذا يريد أن يصل إليه في ظل دائرة العنف التي لا تتوقف؟، إنها دماء عزيزة لمصريين لهم قناعاتهم الفكرية والسياسية، ودعكم من مسألة الإرهاب المستجدة حسب الحاجة، ودعكم من الحشد والتعبئة الموجهة في الإعلام، فلسنا في حرب بين عدوين، ومصر ستبقى وطنا لكل أبنائها، وكل روح بريئة تُزهق هي معلقة في رقبة من يحكمون البلد في الدنيا وفي الآخرة.
ندعو للعودة إلى الحكمة، ولا شيء غيرها، وكفى قتلا، ولابد أن يكون حقن الدماء هو الهدف الأول والعاجل، وحياة المصريين أولى وأهم من أي صراع على السلطة ومن محاولة أي طرف أن يفرض انتصاره الساحق لأنه في لحظة قد لا نجد بلدا، إنما أطلالا وخرابات، وساعتها لن يكون هناك منتصر، بل سيكون الجميع خاسرين.
( المصدر : الراية القطرية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews