شعور الصين بالإجهاد يستوجب الاستثمار في أماكن أخرى

مع انتهاء دورة الألعاب الأولمبية للتو، باتو يحدثوننا بمصطلحات الإرهاق البدني: الرياضيون فقدوا طاقتهم فجأة، أو أنهم يعانون نضوب الجليكوجين، أو تجاوز اللاكتات (الأملاح) الحدود القصوى لها، قبل إنعاش أنفسهم ببساطة عن طريق أخذ قسط من الراحة.

الإنهاك النقدي مختلف. ضخ السيولة الرخيصة من قبل البنوك المركزية في الاقتصادات الخاملة على نحو متزايد يذكرنا بملاحظة آرثر كونان دويل التي قال فيها إن الإنهاك هو الصورة التي "تبدو عليها البطارية عندما تضخ الكهرباء إلى عنصر غير موصل".

عدم التجاوب الاقتصادي مع مزيل الرجفان النقدي أصبح قضية حاسمة ليس فقط بالنسبة للبنوك المركزية، ولكن أيضا بالنسبة للمستثمرين في الأسواق الناشئة. والسؤال الرئيسي هو كيف يمكن لعلامات الفشل الكمي أن تؤثر على حظوظ البلدان النامية.

حتى الآن، كانت الأسواق الناشئة مستفيدة. لذلك ارتفعت نسبة التدفق القياسي من الأموال إلى سندات الأسواق الناشئة في الأسابيع الأخيرة إلى حد كبير بسبب نذير الشر حول الإنهاك النقدي في العالم المتقدم، في الوقت الذي يدفع فيه المستثمرون من أجل اقتناء ما قيمته 13 تريليون دولار من السندات ذات العوائد السلبية.

جيراردو زامورانو، وهو مدير في "برانديس إنفستمنت بارتنرز"، صندوق الأسواق الناشئة، يقول: "أنا لم أر هذا في حياتي. تكلفة الائتمان ببساطة ينبغي ألا تكون سلبية". ويضيف: "نحن نفكر كثيرا بشأن إنهاك (السياسة النقدية) وتكاليف الحوافز المهدورة في البلدان المتقدمة".

مثل هذا الوضع يجعل الأسواق الناشئة تبدو مثيرة للاهتمام بالنسبة للمستثمرين، ليس بسبب أي صفة داخلية فيها، ولكن بسبب الغفلة. كونها لم تشارك في التسهيل الكمي - ممارسة تعمل من خلالها البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان على طبع النقود لشراء السندات – فإنها الآن لا تواجه الإنهاك النقدي وأسعار الفائدة في اقتصاداتها لا تزال إيجابية.

مايكل هارتنت، كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في "بانك أوف أميركا ميريل لينش"، يضع هذا الأمر في منظور صارخ، حين يقول إن "المحرك وراء هذا الطلب الكبير على الأسواق الناشئة ليست له علاقة بالأسواق الناشئة. الشيء الوحيد الذي تملكه الأسواق الناشئة هو أن ما يريده الجميع الآن ليس المواد الخام أو العمالة الرخيصة، بل العوائد. عندما تكون لديك أسعار فائدة سلبية في أوروبا واليابان، وأسعار فائدة صفرية في أي مكان آخر، تصبح السياسة والاقتصاد في هذه البلدان غير ذات صلة".

بالتالي، تشعر الأسواق الناشئة بالحبور بسبب التصور بأنها أقل الخيارات سوءا بالنسبة للمستثمرين. لكن على الرغم من أن تلك الأسواق خالية من نوع الفشل الكمي الذي يلاحق أوروبا واليابان، إلا أنها ضعيفة بشكل حاد أمام شكل آخر من الإنهاك المالي.

إن الانغماس في الديون في الصين لم يأت من خلال التسهيل الكمي، ولكن من خلال الإقراض المباشر من المصارف المملوكة للدولة وإعطاء المال إلى الحكومات المحلية والشركات. ومع ذلك، الأدلة على الإجهاد تعتبر واضحة. وفي حين احتاجت الصين قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008 إلى ما لا يقل عن دولار واحد من الائتمان لتقديم دولار واحد من النمو في الناتج المحلي الإجمالي، تبلغ هذه النسبة الآن ستة إلى واحد، بحسب "مورجان ستانلي".

مؤسسات القطاع الخاص تظهر نوع الإنهاك الخاص الصيني. وعلى الرغم من أن الاقتصاد ينمو بمعدل 6.7 في المائة، إلا أن نمو الاستثمار من قبل الشركات الخاصة تباطأ إلى 2 في المائة في تموز (يوليو)، ما يدل على أن القوة الأقوى في الاقتصاد الصيني ترى أملا ضئيلا في تحقيق العوائد.

ندرة الفرص وسط وفرة النمو تحدد الحالة المضنية في الصين. السخاء الذي كان لدى المصارف وأسواق رأس المال ومؤسسات الظل المالية كان لأي شخص تقريبا يرغب في الاقتراض حيث إن كل صناعة تقريبا في حالة زيادة في العرض وانخفاض في الأرباح.

"ستاندرد آند بورز"، وكالة التصنيف الائتماني، هي أحدث جهة تدق ناقوس الخطر. من المرجح للأرباح القليلة في الشركات الصينية أن تكثف حاجتها إلى الاقتراض أكثر لمجرد سداد الديون المستحقة، ما يسهم في ارتفاع مستويات ديون الشركات العالمية إلى مستويات مقلقة بحلول عام 2020.

كل هذا ينشئ مفارقة كلاسيكية. من جهة تقول "ستاندرد آند بورز" إن النمو الذي يغذيه الائتمان الذي سعت إليه البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسهم في المخاطر المالية. ومن جهة أخرى، تتوقع الوكالة أن الاستجابة لهذا الوضع من قبل الشركات، ستكون اقتراض أموال أكثر من قبل.

من المقرر لديون الشركات أن تتوسع بمقدار النصف لتصل إلى 75 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، بحسب "ستاندرد آند بورز". ومن المرجح لحصة الصين من هذه الديون أن ترتفع إلى 43 في المائة عام 2020 مقارنة بـ 35 في المائة عام 2015، إلى حد كبير من خلال الشركات التي تقترض لسداد الديون التي تصبح مستحقة.

لقد أقنعت مثل هذه الديناميات بعض مديري الصناديق، مثل روشير شارما، كبير الاستراتيجيين العالميين في "مورجان ستانلي لإدارة الاستثمار"، بالدعوة إلى استراتيجية الاستثمار في "عالم ما بعد الصين" التي يجب على المستثمرين من خلالها النظر إلى الأسواق الناشئة التي لديها اتصال قليل مع الصين.

(المصدر: فايننشال تايمز 2016-08-30)