حروب العالم عند العرب
العالم العربي يتقدم مسارح العالم كلها ليكون الميدان الرئيسي للحروب والصراعات الإقليمية والدولية. من ليبيا إلى اليمن، ومن تونس إلى الجزائر، ومن العراق إلى سوريا.
تحولت سوريا إلى محور النزاعات. تخطت ليبيا والعراق في تواجد القوات الخارجية، ولم تبق منظمة دولية إلا وجاءت إليها.
تحولت سوريا إلى نموذج للبلد الذي تكسرت حدوده واهتز استقلاله وشرّعت أبوابه.
كل يريد أن تكون له حصة في هذا البلد الذي لم يتبق منه شيء ليكون حصة لهذا أو ذاك.
الأكراد يتقدمون لخلق كيان لهم. والروس يسعون لترتيب ركائزهم فيه. والأمريكيون يوازنون فلا يسمحون بغلبة هذا على ذاك، ويقودون أوسع تحالف ضد الإرهاب، لكنهم عاجزون عن اجتثاثه، أو بالأحرى لا يريدون اجتثاثه.
ولم يكن ينقص سوريا وترابها سوى أن يدلي التركي بدلوه. وبعد خمس سنوات ونصف السنة من الانتظار، ها هو التركي يطأ بأقدامه التراب السوري. ويتهيأ لإقامة منطقة أمنية خاصة به من جرابلس إلى أعزاز بطول مئة كم.
وها هي إيران تدخل في تفاهمات مع روسيا وتركيا من أجل منع الأكراد من تشكيل كيانهم الكردي.
وأخيراً، يدخل الجيش السوري في صدام مع قوات الحماية الكردية في الحسكة، هو الأول من نوعه بين الطرفين، في تحول يجعل جميع الأطراف في سوريا في صراع فيما بينها، تحركها القوى الكبرى في الاتجاهات التي تريد.
وفي العراق، ليس من شيء يدعو للتفاؤل في أن الصراع سينتهي قريباً. فالجيش العراقي يحارب «داعش»، والبيشمركة تقوم بأدوار مثيرة لعلامات استفهام. تحارب «داعش» من حيث المبدأ، لكنها تدخل في نزاع مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وتنازع الدولة العراقية على السيطرة على مناطق لم تتحرر بعد، مثل الموصل. ويمد زعيم إقليم كردستان مسعود البرزاني يده إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمواجهة التيار الكردي المؤيد لعبدالله أوجلان.
وليس من مشهد عبثي أكثر من الذي يجري في ليبيا. ذلك البلد العائم على انهار من النفط. هو فريسة التنظيمات الإرهابية وصراع المصالح بين الدول الكبرى والإقليمية.
ليس من طرف خيط يمكن أن يبدأ منه أحد من العرب لترميم ذات البين بينهم، ولا بينهم وبين غير العربي.
كل اللاعبين المؤثرين هم من غير العرب. هم دول كبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة. ودول متوسطة مثل تركيا وإيران، وفي القلب من كل هذا المشهد الكيان «الإسرائيلي».
ومنذ أن فتحت كوة من نور الاستقلال للعرب بعد الحرب العالمية الأولى ونحن لا نحسن استقلالاً، ولا إدارة، ولا حفظ حد أدنى من مقومات السيادة والكرامة.
الكل اليوم يدافعون عن حدود سايكس - بيكو. من سخريات القدر أننا صرنا نجد أن الحفاظ على هذه الحدود التي كنا نرفضها هو خشبة الخلاص لمنع التقسيم، على قاعدة أن عصفوراً في اليد خير من عشرة على الشجرة. لكن هذا العصفور نفسه ليس في يدنا، ولم يعد ذلك العصفور الذي يحتضنه الجميع. فقد تحول إلى غراب وبومة شؤم.
لم نتعلم من دروس التاريخ أن من أهم شروط العيش بحرية واستقلال أن نملك أسباب القوة، وأن نملك إرادة اتخاذ القرار بشكل حر.
لم يستطع الشعب العربي أن ينشئ آليات تمكنه من أن يعبّر بحرية عن رأيه. وكلنا يذكر كذبة الديمقراطية التي حملتها كوندوليزا رايس، فكانت النتيجة عالماً عربياً مفتتاً تنخره سوسة الطائفية والعرقية، وتنحره سكاكين الحقد من داخله، ومن خارجه. ولا نلوم الخارج، فمن كان بيته من حجر صلد ونوافذه من حديد صلب لن تمر منه رياح الفتنة. لكننا لسنا كذلك.
ومع ذلك، ورغم كل ما نعانيه من مخاطر غير مسبوقة، فالتاريخ يخلق من ذاته، وبذاته شروط نهضة مجتمعاته التي نرجو ألا تتأخر أكثر مما تأخرت.
(المصدر: الخليج 2016-08-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews