سياسة التحفيز المالي تهدد بحدوث هزة في الأسواق

في مناخ يبدي فيه الجميع قلقه إزاء الحدث القادم المثير للأعصاب، تميزت الشهور الـ 12 الماضية بنوبات اضطراب وتوقعات بالكآبة لم تتحقق في نهاية المطاف. تشمل القائمة خفض قيمة العملة الصينية في آب (أغسطس) الماضي، والهبوط الكبير في أسعار السلع الأساسية الذي أدى إلى هبوط أسعار سندات شركات الطاقة المصنفة على أنها سندات خطرة، والخوف من النمو العالمي في كانون الثاني (يناير).

كذلك فشلت أحداث أخيرة في أن ترقى إلى مستوى المخاوف من تداعياتها. وبالتالي حلت رباطة الجأش محل المخاوف من خروج بريطانيا من الاتحاد وكذلك المخاوف من القروض المعدومة في المصارف الإيطالية. ومن حيث الأداء حقق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 رقما قياسيا، بينما قفز مؤشر فاينانشيال تايمز لعموم الأسهم العالمية 18 في المائة من مستوى هابط وصل إليه في شباط (فبراير).

أحد الأسباب الواضحة لانحسار صدى الصدمات في الأسواق هو سياسات المال السهل من البنوك المركزية، التي تعمل على إضعاف كل من أسعار الفائدة وتقلبات السوق. في عالم يوجد فيه ما يقارب 12 تريليون دولار من السندات ذات عائد أقل من الصفر، يعتقد فريق من المستثمرين أن حدود الخدمات المصرفية المركزية تم الوصول إليها منذ وقت طويل.

مرحبا بكم إلى عصر الاستثمار في منطقة تتعرض لهزة أرضية. عصر تتسم فيه هزات السوق بكونها أمرا روتينيا ـ وقلة من الناس هي التي تعتقد أن الهزة الكبرى ستحدث على الإطلاق. إن اختبار قدرة الأسواق على مقاومة الصدمات يتطلب خروجا من قواعد اللعب التي سيطرت على قطاع التمويل منذ أزمة 2008/2009.

لقد أخفقت ثماني سنوات من التقشف وفترة طويلة من الانخفاض في أسعار الاقتراض وعائدات السندات لدى البنوك المركزية في تحقيق نمو اقتصادي مستدام. ومن هنا ظهرت السياسة الشعبوية، بينما تتزايد الدعوات إلى إيجاد حوافز من المالية العامة وبشكل مطرد. إنه مسار تتخذه كندا، والآن المملكة المتحدة تتطلع إلى تخفيف القيود والأغلال في فترة ما بعد الخروج من الاتحاد. وكلا المرشحين للرئاسة الأمريكية، ولا سيما دونالد ترامب، يركز أيضا على جانب المالية العامة في معادلة التحفيز.

في الوقت نفسه، كان مهد الاختبار على مدى العقدين الماضيين لإجراء التجارب المتعلقة بالسياسات هو اليابان. وهناك أصبح الحديث حول "أموال المروحيات" – التي تعني أن يتم تمويل عجز الموازنة من خلال زيادة دائمة في القاعدة النقدية للبنك المركزي وليس من خلال السندات الحكومية - هو الموضوع الساخن المسيطر على النقاش. ومن بين 160 صندوقا لإدارة الأموال شملها استطلاع أجراه بانك أوف أمريكا ميريل لنتش هذا الشهر، يتوقع 39 في المائة وصول أموال المروحيات خلال الشهور الـ 12 المقبلة، مقابل 27 في المائة في حزيران (يونيو).

بالنسبة للاقتصاد العالمي الأوسع، يتم اعتبار أي تحفيز مهم من المالية العامة من خلال الإنفاق على البنية الأساسية، أو قسائم للمستهلكين أو/ ومزيج من التخفيضات الضريبية، عاملا يعزز النمو ويدفع توقعات التضخم.

مالي باتريك شوويتز، وهو خبير استراتيجي عالمي في جيه بي مورجان لإدارة الأصول، يقول إن التحفيز المالي يدعو إلى شراء أسهم الشركات الدورية، بدلا من البحث عن أرباح الأسهم والسندات طويلة الأجل: "السؤال هو كم مقدار الحافز المطلوب لإقناع المستثمرين بأن ذلك أمر ناجح".

ونظرا للمطاردة المتطرفة للعائدات في السنوات الأخيرة، يمكن أن تصبح آفاق التوسع الرئيسي في المالية العامة، ولا سيما إذا تم اتخاذها بصورة جماعية من قبل الاقتصادات الرائدة، بمنزلة صدمة كبيرة بالنسبة للمحافظ الاستثمارية. لقد ساعد تراكم الأسهم ذات الأرباح الجيدة والسندات طويلة الأجل تلك الفئات من الأصول في تحقيق مكاسب بلغت نسبتها 20 في المائة منذ الصيف الماضي. والكمية المتقلصة باستمرار من السندات ذات العائدات الإيجابية عملت على تحفيز اندفاع جنوني نحو أية أصول تتمتع ببعض أنواع العائدات الثابتة.

ويضخ المستثمرون مثل صناديق الثروات السيادية وصناديق المعاشات التقاعدية المال إلى سندات الأسواق الناشئة بوتيرة قياسية، تغريهم بذلك العائدات التي تبقى أعلى من تلك المتعلقة بالسندات السيادية في البلدان المتقدمة.

النتيجة؟ تداولات مزدحمة تماما. وكما يخبرنا تاريخ السوق، فإن الأحداث لا تنتهي على خير أبدا. إن التحول المفاجئ إلى المالية العامة بهدف تخفيف التقشف يبشر بذعر قادم من القطاعات التي تتمتع بأفضل أداء في الأسواق العالمية. الطفرة التي تتلو ذلك في تقلبات السوق يمكن أن تعمل على دفع المستثمرين نحو بيع حيازاتهم استنادا إلى نماذج إدارة المخاطر- التي تعرف بصدمة القيمة المعرضة للخطر Var - من أجل تجنب الخسائر.

وبحسب كريس والتينج، من لونج فيو إيكونومكس "من الواضح أن هناك ابتعادا عن التقشف نحو التحفيز من المالية العامة، وصدمة القيمة المعرضة للخطر تعتبر من المخاطر هنا، ويمكن أن تتطور بينما نحن نتحدث". وسبق أن شعرنا بهذا النوع من الصدمات من قبل، ولا سيما خلال صيف عام 2013، من خلال جيشان الانسحاب التدريجي، ومنذ نيسان (إبريل) الماضي، عندما ارتفعت عائدات السندات الحكومية الألمانية لأجل عشر سنوات من أعلى من صفر فقط إلى ما يقارب 1 في المائة مع بداية حزيران (يونيو). وفي الوقت الذي ترتفع فيه العائدات والتقلبات يشرع المستثمرون في التناوب في أسهم الشركات الدورية، لكن كما شهدنا في الصيف الماضي هذا النوع من التقلب في الأسهم سيكون غارقا بعد ذلك في جيشان السوق الأوسع.

تبقى الجهود نحو اتخاذ تدابير مستدامة في المالية العامة في الوقت الذي تصل فيه السياسات النقدية إلى حدودها، بمنزلة قول أكثر منه فعلا. واحتمال إشعال فتيل اندفاع نحو الخروج ما كان يعتبر بحثا حثيثا عن العائدات يعد أمرا لا يمكن استبعاده. ولا يسع المرء إلا أن يأمل أن تتعرض الأسواق لصدمة أخرى وليس للصدمة الكبرى.

(المصدر: فايننشال تايمز 2016-07-26)