لمن تعود الـ 700 سيارة التي أبيدت في محيط الفلوجة ؟
إذا كان الرتل الذي تمت إبادته ، وفق الوصف الأمريكي ، أثناء خروجه من الفلوجة يعود للدواعش ، فسلمت أيدي من قام بقصفه ، أما إن كان رتلا يعود لمدنيين ، فشلت يمينه من الكتف .
تناقضت الروايتان الأمريكية ، والعراقية عن حقيقة الرتل المكون من 700 سيارة وفق حامد المالكي قائد القوة الجوية العراقية .
وإذا كان هذا الرقم كذبه حيدر العبادي نفسه ، ليستقر أخيرا عند 300 سيارة تم تدميرها وإبادة من فيها ليلة الأربعاء الخميس ، تارة بقصف أمريكي ،وفق الرواية الأمريكية ، وتارة بقصف عراقي ، وفق الرواية الرسمية العراقية ، فإن اللافت في الروايتين أنهما تحملان تناقضا ، وقد تبين هذا التناقض جليا من خلال تصريح كريستوفر غارفر المتحدث باسم التحالف الدولي في العراق ، والذي اعترف في اتصال أجرته معه الجزيرة مساء الخميس ، عندما قال : "كانت عمليتان ، رتل جنوب الفلوجة وآخر شرق الرمادي لا نعلم من كان في الرتلين وأحدهما كان موضع شك ولكني أظن أن الأهداف كانت لتنظيم الدولة " .
هنا تكمن الفضيحة ، فقد قصفت سيارات في الصحراء دون التحقق من كونها مدنية أم تتبع داعش ، بل إن القائد الأمريكي " يظن أنها لتنظيم داعش " كما قال ، أما الجانب العراقي فزعم أنه هو الذي رصد رتلا واحدا ولم يتحدث عن رتلين ، وأنه من فعل ذلك ، ولإضفاء كوميديا على مشهد موت مفجع ، أجرت قناة عراقية لقاء مع طيار عراقي قام بقصف الرتل الداعشي المزعوم ، فقال إنه وبعد أن فرغ العتاد من طائرته انخفض بالطائرة وقتل الدواعش بالمسدس ، وفق ما قال ، وهو فيديو موجود على اليوتيوب ، وعلى تقارير قناة الجزيرة التي بثت تصريح هذا الطيار فجر الجمعة .
وإذا كان الأمريكان يعترفون بأنهم من قام بالقصف ، فإنهم في الوقت نفسه يخشون أن يتعرضوا للنقد الدولي والعالمي ، ومن أجل ذلك خرجوا برواية القافلتين وليس القافلة الواحدة ، ليتهربوا من المسؤولية الأخلاقية والقانونية في حال انفضح الأمر وتبين للرأي العام العالمي بأن مئات القتلى الذين سقطوا هم من المدنيين الفارين من الفلوجة من أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ، ولأن الحقيقة لا بد ستظهر وإن طال الزمن ، فقد كشف شريط فيديو مسرب من قبل إحدى الميليشيات الطائفية سيارات مدنية دون أن يظهر قتلى لا من داعش ولا من المدنيين ، الأمر الذي يؤكد حقيقة أن الرتل كان مدنيا وأنه تم إخفاء الضحايا .
وإذا كان الحشد الشيعي خسر ما يقرب من 2000 قتيل سواء من القوات الحكومية أو الميليشيات وجرح من قواته عدة آلاف وفق مواقع شيعية غاضبة على إيران وحزب الدعوة الذي ينحدر منه حيدر العبادي ، وإذا تم استبدال ثلاجات المستشفيات بسيارات مبردة لنقل الضحايا والطلب من الأهالي استلام جثث أبنائهم الذين قتلوا في معركة الفلوجة من خلال مكبرات الصوت الجوالة في المدن العراقية بسبب انقطاع الكهرباء ، فإن الأمر يصبح مفهوما ، وهو أن الحكومة ولكي تخفف على مواطنيها في عموم المحافظات الشيعية مما بهم من ضر ، ومن وقع الخسائر التي دفعتها وميليشياتها على يد تنظيم داعش الإرهابي فإنها عمدت إلى ركوب الرواية الأمريكية ولكن حصرتها برتل واحد ، وزعمت بأنها دمرت 700 شاحنة وسيارة " في البداية " ، ولما كان " المجنون يحكي والعاقل يسمع كما يقول المثل " فإنها اكتفت بـ 300 سيارة بطواقمها من الدواعش ، ولم تقف عند ذلك ، بل إن قادتها العسكريين أعلنوا بأن قتلى الدواعش في الفلوجة يناهز الألفي شخص ، وهو نفس الرقم الذي قدرت فيه أعداد القتلى من القوات الحكومية والميليشيات الشيعية الإيرانية التي تقاتل معها .
لقد دمر تنظيم داعش الإرهابي بأيدي الميليشيات الشيعية الإيرانية المجرمة من حيث لا يدري كل المدن السنية التي دخلها ، وحيث حلت قوات هذا التنظيم يحل الدمار بالشجر والحجر والإنسان ، ولكن السنة ليسوا دواعش ولا متطرفين ، وهم الذين عاشت في كنفهم على مدى قرون كافة المذاهب والطوائف بسلام وأمان ، ولكن الصفويين الجدد هم من قتلوا ودمروا واغتصبوا ويتموا وثكلوا في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ، وهم من فجروا في البحرين ، ومن حاولوا التفجير في الأردن ، ومن أعلنوا أنهم يحتلون أربعة عواصم عربية ، وأن بغداد عادت عاصمة للأمبراطورية الفارسية ، وهم الذين احتلوا الجزر الإماراتية و أحرقوا السفارات وتوعدوا دول الخليج كافة بالدمار والخراب .
لقد بات الدم السني أرخص من الماء في العراق وسوريا التي يقتل فيها يوميا العشرات من المدنيين بقصف جوي روسي وبقنابل وصواريخ النظام ، ولكن حادثة الرتل المدني الذي كان ممتلئا بالعوائل العراقية السنية الهاربة والباحثة عن مأمن بعد خروجها من الفلوجة يظل وصمة عار في جبين العالم والإنسانية ، فمن دمروه اعترفوا بانه يضم 300 سيارة تم إبادتها كلها بمن تحمل من أطفال ونساء وشيوخ .
ليس هذا فقط ، بل إن ما يعمق الريبة لدى كل ذي ضمير حي ، هو أن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بل والعربية للاسف تكتمت عن هذه الجريمة ، ولم نقرأ عبر أي وسيلة إعلام سوى الرواية الأمريكية ، ورواية الميليشيات ، أما رواية الأهالي من ذوي وأقارب الضحايا فلا صوت لهم ولا عزاء ، والسبب كما قلناه ألف مرة : أنهم " من أهل السنة " .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews