بلطجي في حكومة «إسرائيل»
ليس أفيغدور ليبرمان الذي عيّنه بنيامين نتنياهو وزيراً للحرب الأسبوع الماضي شخصية ثانوية في الحياة السياسية «الإسرائيلية». فهو يحتفظ بماض خاص وعام لا يشرف أية حكومة في العالم، ولا يشرف أية أسرة، بغض النظر عن ترتيبها الاجتماعي. والسؤال الذي يثير حفيظة المراقبين هو: لماذا هذا التعيين عموماً؟ ولماذا تم في هذا الظرف بالذات؟ ولماذا في وزارة الحرب؟
المرور سريعاً على بعض سيرة هذا الرجل يسهم في الإجابة.
ليبرمان المولود في مولدافيا لأسرة يهودية متدينة وتتحدث العبرية، بدأ حياته المهنية حارساً في علب الليل، وهذا النوع من «الأمنيين» يجب أن تتوفر فيه شروط «البلطجة»، وأن يكون رد فعله من النوع الذي يردع نظراءه عن دخول الحانة. انتقل هذا «القبضاي» للعمل من بعد في أذربيجان، ثم هاجر إلى «إسرائيل» وانخرط في حزب الليكود اليميني المتطرف ومنه انتظم في الجامعة، وحصل على إجازة في العلوم الاجتماعية. ولا يشذ اختيار سكنه في مستوطنة بالقرب من بيت لحم، عن بلطجيته، في حين يسكن وزراء الحكومة الصهيونية خارج المستوطنات. ظل خلال حياته الحزبية في الليكود والوزارة محتفظاً بمزاجه البلطجي، حيث ضرب بقسوة فتى قاصراً رداً على اعتداء الفتى على ابنه، وقد صدر حكم قضائي ضده بدفع غرامة كبيرة تعويضاً لذوي المعتدى عليه.
ليبرمان وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء، احتفظ بمزاج «الوبش» حيث هدد بقتل إسماعيل هنية في الحرب الصهيونية على قطاع غزة. وذهب إلى أبعد من ذلك عام 2009 عندما قال إن على «إسرائيل» أن تقاتل «حماس»، كما قاتلت واشنطن اليابانيين في الحرب العالمية الثانية ما يعني استخدام السلاح النووي ضدهم. ودعا إلى إجبار الفلسطينيين على أداء يمين الإخلاص والوفاء للدولة اليهودية، والخضوع لقوانينها. وطالب بأن تستبدل أراضي المستوطنات بأراضي عرب فلسطين الذين بقوا في أرضهم عام 1948.
وفي مناسبة أخرى دعا إلى تدمير السد العالي إذا ما اندلعت حرب بين مصر و«إسرائيل»، ورحب بمبادرة نائبه داني ايالون باذلال سفير تركيا في الخارجية «الإسرائيلية»، عندما أمره بالجلوس على كنبة أدنى علواً من كنبته.
ولم يتسبب تعيينه في وزارة الحرب بزلزال أخلاقي في «إسرائيل»، ما خلا استقالة وزير البيئة افي غاباي، الذي اعتبر أن توزير ليبرمان سيؤدي إلى «خراب البيت «الإسرائيلي» الثالث» وتدمير اليهود.
بالمقابل، لم يصادف هذا التعيين ردوداً أمريكية وغربية غاضبة، فقد عبرت واشنطن عن قلقها، وتمنى الأوروبيون أن تتواصل المباحثات من أجل استئناف الحوار الفلسطيني «الإسرائيلي» حول مشروع الدولتين.
أما عن خصوصية تعيينه في وزارة الدفاع فمن المرجح أن يكون متصلاً بالرهانات التالية:
أولاً: معروف عن ليبرمان دعوته المتكررة لتحسين العلاقات مع الروس، وقد طرح اسمه في إحدى الفترات ليتولى «حواراً استراتيجياً» مع الكرملين، وكان هذا قبل انخراط الروس في الحرب السورية. ولعل توزيره في هذه اللحظة الحساسة بوصفه صديقاً للروس ويحتل موقعاً أساسياً في الأوساط اليهودية من أصول روسية ليس عفوياً.
ثانياً: يعتبر ليبرمان من المتحمسين لضم «إسرائيل» إلى الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يصعب توقعه في المدى المنظور بسبب أن حرص الجهتين على حل للمسألة الفلسطينية لا يتناسب مع التطلعات الصهيونية، ومن بينها التمسك بالمستوطنات حيث يعيش ليبرمان، علماً بأن أوروبا لن تفرط في أمن «إسرائيل»، سواء كانت عضواً في الاتحاد، أو خارجه، والحال نفسه ينطبق على الحلف الأطلسي الذي تحتفظ «إسرائيل» بعضوية مراقب في مجلسه. بيد أن معرفتنا بمواقف ليبرمان السابقة تفيد بأن الرجل برغماتي إلى أقصى الحدود، وبالتالي لا بد من توخي الحذر في الحكم على مواقفه. فهو كان قد وصف بنيامين نتنياهو ب«الدجال والنصاب»، وعاد لإنقاذ حكومته عبر القبول بمنصب وزاري وتغطيتها من سقوط محتمل حيث تتمتع بأغلبية صوت واحد في الكنيست، فضلاً عن مساعدة نتنياهو على مواجهة الضغوط الأمريكية والغربية، وبالتالي اجتياز مرحلة الجليد في العلاقة مع أوباما حتى نهاية الانتخابات الرئاسية.
ثالثاً: الواضح أن توزير هذا البلطجي لا يتوافق مع الحديث الصهيوني عن عودة الحرارة إلى العلاقات العربية «الإسرائيلية»، ومن الصعب أن ينطوي على رسالة إيجابية موجهة للعرب والفلسطينيين. والظن الغالب أن نتنياهو ينظر إلى علاقته مع العرب من موقع كيانه كقوة عسكرية طاغية ومحمية من الغرب، وبالتالي لا تحتاج إلى جيرانها العرب، إلا من باب توفير أمنها واستقرارها، وهذه النظرة المتعالية لا تعبأ بردود الفعل العربية المرحبة أو المناهضة لهذه الشخصية الصهيونية، أو تلك.
رابعاً: الاحتمال الأخير هو شن حرب على لبنان، أو على غزة، وهذه تتطلب وزيراً حربياً يعين تطرفه على زرع الثقة في نفوس مواطنيه، وإشاعة الخوف والخطر في نفوس أعدائه. هذا الاحتمال ليس مستبعداً، وإن لم يكن ملحاً. ومن غير المستبعد أن يكون هذا التعيين من أجل إشاعة الاطمئنان في صفوف «الإسرائيليين» الذين يخشون من التطورات العسكرية المحيطة بهم.
(المصدر: الخليج 2016-06-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews