قراءة في إعادة موسكو غنيمة سورية لإسرائيل
يحمل قرار الرئيس الروسي فلادمير بوتين الأحد الماضي بإعادة دبابة إسرائيلية شاركت في معركة السلطان يعقوب بين الجيش السوري والإسرائيلي أثناء اجتياح الأخيرة للبنان عام 1982، الكثير من الدلالات على مستوى الواقع العربي في مجمله وواقع الصراع العربي الإسرائيلي على وجه الخصوص.
الدبابة الإسرائيلية موضوع القرار الرئاسي الروسي، هي في الواقع غنيمة سورية، سبق أن سيطر عليها الجيش السوري الذي كان أحد أهم خطوط الدفاع عن لبنان التي غزتها إسرائيل حينها، حيث استولى عليها الجيش العربي السوري بعد معركة قتل فيها ثلاثين جنديا إسرائيليا، وظلت معروضة بأحد متاحف موسكو بعد أن نقلتها سوريا إلى هناك.
وفيما تشير التقارير الإخبارية إلى أن قرار موسكو بإعادة هذه الدبابة إلى إسرائيل، جاء استجابة لطلب إسرائيلي من موسكو بهذا الشأن، فإن الخطوة حبلى بالكثير من الدلالات التي أهمها أن إسرائيل تبدو أكثر نشاطا في استثمار تراجع حالة الصراع بينها وبين العرب خصوصا على الجبهة السورية منه، وذلك بسبب انشغال الأخيرة بأوضاعها الداخلية، فسارعت إسرائيل الخطي لتحقيق المكاسب لصالحها الواحدة تلو الأخرى، بدءا بعقدها اتفاق مع موسكو لضمان أجوائها ومروراً بعقدها اجتماعا حكوميا في الجولان المحتل، ثم استجداء استرجاع دبابتها المعروضة في موسكو ، وغير معروف أين ستكون انتهاء أو أين المنتهى.
وباعتبار أن الغنيمة سورية تحسب للبسالة السورية في الدفاع عن لبنان عند اجتياحه بواسطة إسرائيل، فإن التسلسل التاريخي الطبيعي في مثل هذه الحالات الناتجة عن حرب، كان ينبغي أن تكون نهايته الوصول إلى قرار إرجاع الدبابة عبر سلسلة من المفاوضات الثنائية بين سوريا وإسرائيل، حيث كان المراقبون يأملون بأن تكون تلك الفرضية التفاوضية ضمن جولة من جولات مفاوضات السلام الذي ظلت سوريا ترفضه كونها تمثل أحد أقطاب جبهة الممانعة في الشرق الأوسط ، بينما ظل الإعلام الإسرائيلي إبان فترة ازدهار مفاوضات السلام العربي الإسرائيلي يروج إلى فرص الحوار مع سوريا ويأمل في انطلاقها بعد كامب ديفيد ووادي عربة.
ولكن أن يصدر قرار إعادة الغنيمة من موسكو، ونتيجة مساعٍ إسرائيلية، فهذه رسالة مفادها بأن اسرائيل تؤكد عبر دبلوماسيتها، وأنشطتها الرمزية في ظاهرها كخطوة استعادة دبابة عمرها أكثر من ثلاثين عاما، بأن كافة المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة لصالح العربدة الإسرائيلية التي تعتبر المستفيد الأكبر من الراهن السياسي المعاش بالمنطقة.
وعلى الجانب الآخر وبالنظر إلى أن الغنيمة السورية، كانت نتيجة تداخل عوامل عديدة بينها إقدام الجندي السوري في معركة السلطان يعقوب دفاعا عن لبنان حينها، ومستوى تفوق العتاد (السوفيتي) الذي زودت به موسكو دمشق ضمن التعاون السوفيتي السوري الذي أسهم في إكساب السلاح السوفيتي شهرة في تلك الفترة، فإن الموافقة الروسية لإعادة الدبابة لإسرائيل تبدو أنها أقرب إلى محاولة روسية لإعادة تسليط الضوء لأمجاد موسكو العسكرية، خصوصا بعد تغيير موازين القوى بعد انتهاء فترة الحرب الباردة.
أما الدلالة الأخرى في هذه الخطوة رغم رمزيتها، فهي تكمن في بعثها لرسالة للدول النامية، مفادها بأن نشوة التعاون العسكري مع (صناع) الأسلحة شرقا أو غربا بالضرورة أن تكون غير كاملة، ولا مناص من أن يكتنفها بعض الغموض حول أحقية التصرف الكامل في قطع السلاح على المدى البعيد.
وعليه، وكيفما كانت الدلالات فإن إعادة موسكو لدبابة إسرائيلية كانت قد كسبتها دمشق بمعركة عسكرية، فإن الأمر في خلاصته لاينفصل بأي حال عن مراحل الصراع العربي الإسرائيلي الذي يمضي الآن في سياقات أخرى ربما تعتبرها إسرائيل حصداً للنتائج.
(المصدر: الوطن العمانية 2016-05-31)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews