الترشيد الإداري قبل المالي
ينبغي ألا تتوغل هذه الخطط والاستراتيجيات في التركيز على البعد المالي كضغط المصروفات ورفع الإيرادات، فهذا بحد ذاته -وإن كان ضرورة- إلا إنه لا يكفي، وهذه ليست «فذلكة» اقتصادية لأن معظم صنابير الهدر المالية هي إدارية بالمناسبة، وإن كان ظاهرها الخارجي ماليا، وما لم تتقاطع التدابير الإدارية مع المالية الجارية وتحديد موقع ما يسمى بالنقطة الحرجة في الرسم البياني لهذه الخطط وعلى أي درجة ميلان تقع نقطة هذا التقاطع بينهما، سنكون عندها غير قادرين على إحداث هذا التغيير حتى في الجانب المالي نفسه، والتاريخ خير شاهد.
سوف أسوق مثالا صغيرا، فقبل أيام اطلعت على مقابلة صحفية مع وكيل وزارة الصحة المساعد السابق يشير فيها إلى أن الهدر في الأدوية والفحوصات المكررة بين القطاعات الصحية يبلغ 3 مليارات ريال، تصور هذا كله في قطاع واحد، وفي مادة واحدة ربما هي الأصغر في مكونات هذا القطاع العملاق، وعليك أن تتخيل الهدر في بقية جوانب هذا القطاع والقطاعات الحكومية الأخرى التي لا يمكن علاجها بتدابير مالية صرفة بقدر ما هي تدابير إدارية، وغالبا ما تشكل الثقب الأسود الذي يتسرب منه هذا الهدر.
فلو تم قياس كل جوانب الهدر الإداري وانعكاساته المالية المباشرة وغير المباشرة -وهو أمر يستحيل- ودلك في القطاعات التعليمية والصحية والموارد البشرية والخدمات العامة، لاتضح أن تكاليفه على اقتصادنا أكبر من تكاليف بنود بعض المشاريع ذاتها التي غالبا ما نهرع لإيقاف بنودها آليا كلما مررنا بضائقة مالية، رغم أن الهدر الحقيقي يبقى كامنا بل ومكونا رئيسيا في فواتير ومعاملات وبرامج إدارة وتشغيل هذه المؤسسات الحكومية كلها.
ثمة بنود مالية وبأرقام عالية لا يمكن ترشيدها ماليا وتقف إدارة الميزانية في وزارة المالية حائرة، بل وعاجزة أمامها لأنها تمس قطاعات هامة صحية وتعليمية فيما الهدر المالي في باطنها، وبالتالي فإن التدابير الإدارية الكفؤة ومأسسة هذه القطاعات التي تقوم على إنفاق هذه الأموال وتأهيل كوادرها كفيل بإيجاد الحلول لمظاهر هذا الهدر عن طريق زيادة جرعات الثقافة الإدارية المتوارثة في مسألة تقليل المصروفات ورفع كفاءة الخدمات وهذا هو الطريق الوحيد للتعامل مع جوانب ومكونات هذا الهدر الكبير.
(المصدر: عكاظ 2016-05-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews