العراق على منضدة رمل ولاية الفقيه
عدد ضحايا الاحتلال الأميركي وإفرازاته في العراق يتجاوز ضحايا الضربتين النوويتين على اليابان، لكنه لا يقع ضمن اهتمامات المنظمات الدولية والإنسانية، لأنه صناعة مختلفة وبعضه غير مباشر.
زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مدينة هيروشيما، لا تنطوي على رمزية عالية في إيقاع السياسة العالمية ومدى تأثيرها على الحياة؛ كان من الممكن أن تكون حدثاً ساحراً في مخيلة منصات الاندماج والانفتاح والتواصل، على توقيتات طفرات متسارعة بانتظام، تتخطى الحدود وترفع الحواجز التقليدية وإفرازات التراث الفكري المحدد بالجغرافيا، أو بقمع المجموعات البشرية باختلاف حجمها وقوتها ومساحة تمددها، لكن توقيت الزيارة جاء في واقع تسونامي إرباك وفوضى السياسة والعسكر والاقتصاد الذي يضرب بعنف منطقة الشرق الأوسط خصوصاً، ويحرك مراكز القرارات لسرقة الأضواء في واجهة المشهد الدولي.
هيروشيما وناكازاكي، تجربة لاستخدام السلاح النووي في الحروب، شاهد عيان، متحف، مسرح، يعيد التذكير بمخاطر سباق التسلح أو توازن الرعب النووي بحجة الردع المتقابل، نتيجته وفرت غطاءً لاستخدام كافة أنواع التدمير وسباق صناعات عسكرية لمسافات زمنية طويلة وقصيرة، هجومية ودفاعية، تم فيها تبادل رد الفعل بميلاد أجيال متعاقبة ومتنافسة، تطلبت أسواقا عالمية لتصريفها في ساحات حروب، كتجارب ومختبرات عملية، وصفقات عرض وطلب وجودة، وإغراء لطرح منتجات تم التكتم عليها ونضجت للإعلان من الشركات الكبرى، وهي شركات خاصة أو عامة برعاية الدول.
بعض تلك الشركات قلبت موازين القوى في حروب إقليمية مؤثرة كما حصل في نكسة الخامس من يونيو 1967، حيث كان لطائرات الميراج الفرنسية لشركة (داسو) الدور الحاسم والسريع في سير المعارك وتخريب المطارات المصرية وعزل خطوط الإمدادات البرية في شبه جزيرة سيناء، وهذه الشركة الخاصة تعتبر أكبر أعمدة القوة العسكرية الفرنسية لأنها ليست مجرد مصانع، إنما مراكز للبحوث والتدريب وهي بمثابة جامعة علوم وتكنولوجيا عسكرية.
لكن تظل الأسلحة النووية، الفزع الأكبر المهدد للحياة البشرية أو حتى الإحيائية على الأرض، وهي ليست “لعبة” كما يصطلح أثناء دمجها بالتوازن، لأنها تقع في حسابات الهيمنة، أو التعصب، أو حماقات الصراعات المؤدلجة، أو حرب وجود، أو محاولة لاستعادة أمجاد تجاوزها الحاضر.
تعرض العراق في حرب يناير 1991 إلى ضربات جوية فاقت بقوتها أضعاف القوة التدميرية لضربتي هيروشيما وناكازاكي النوويتين، وفي الحرب البرية استخدم سلاح الدبابات القذائف الملوثة باليورانيوم، ومازالت الأسلحة المدمرة مناطق محظورة لارتفاع نسبة الإشعاع، وخاضعة إلى دراسات من منظمات مختصة، دلالاتها ارتفاع نسب تشوهات الولادة، والعينات السكانية أكدت وجود بعض الآباء الذين كانوا يقاتلون في وحدات معينة تعرضت لضربات نوعية، وكذلك قرى مؤشرة، سجلت فيها أو لمن كان فيها من النساء أثناء تلك الحرب، نسبة حوامل أعلى في تعدد تشوهات الأجنة أو الولادات، والعديد منهم حصلوا على حق اللجوء للحصول على رعاية طبية وفحوصات متقدمة لأبناء معاقين بالولادة، ولا توجد إحصائيات أو معلومات من المنظمات المعنية بمتابعة تلك الحالات كنماذج للخروقات في المعاهدات الدولية التي تحرم استخدام تلك الأسلحة، لكنها مع ذلك تستخدم ولا تخضع للمحاسبة.
عدد ضحايا الاحتلال الأميركي وإفرازاته في العراق يتجاوز ضحايا الضربتين النوويتين على اليابان، لكنه لا يقع ضمن اهتمامات المنظمات الدولية والإنسانية، لأنه صناعة مختلفة وبعضه غير مباشر، يقع في محيط المكائد السياسية واغتنام مثالب الجانب الثقافي لإنجاب الصراعات المشوهة غير الخاضعة للمساءلة أمام القانون الدولي، ليس لغياب أدوات الجريمة المباشرة والصريحة، إنما لكونه ضمن حلقة صراع الإرادات ورسم السياسات مزدوجة المعايير والمصالح ذات الاهتمام.
غالباً ما يتم تجاهل المجرم في بلداننا، على الرغم من توفر الإدانة الصريحة، لأنه يمارس القتل تحت تسمية العنف “الشرعي” كما حدث في إطلاق النار على المتظاهرين في بغداد الذين بدأوا بتدشين مرحلة جديدة تجرأوا فيها على منطقة “خريف السياسة” في العراق، وهي جرس إنذار لحريق ينبغي أن تسمعه الأحزاب الحاكمة أولاً، وكذلك ساسة البيت الأبيض في واشنطن، وولاية الملالي في طهران التي أذناها واحدة من طين والأخرى من طين أيضاً، وأذرعها تحمل سلاح الميليشيات لقتل العراقيين وتحويل غضب الشعب على حكوماتهم العميلة، إلى اقتتال طائفي وشعارات ينساق لها السذج رغم انكشاف مخططاتها وعلانيتها.
إحدى النائبات وصفت دخول المتظاهرين إلى بؤرة الاحتلال ومركز إدارة الجريمة المنظمة في العراق، بأنه أشبه “بالزومبيات” وهي تقصد تسلق الجموع جدران الكونكريت العازلة؛ بتماه مع المشهد المثير من فيلم “حرب العوالم”، الذي يصور الجدار العازل في مدينة القدس تحديداً لمنع وصول المصابين “بالعدوى” ولهذا الطرح استمالات معنى مرعبة في الفصل العنصري وإيحاءاته، لقتل واسع النطاق لوقف انتقال الوباء إلى الأصحاء.
تشبيه “النائبة” مقزز ويعبر عن رؤيتها المحاصرة، ويلخص فكرة المنطقة الخضراء، كمحجر لناقلي أمراض الفتنة بين الشعب، وكسجن مرفه للسراق وتنطبق عليهم كل صفات العملاء والقتلة المأجورين.
معظم السفاحين، الذين حصدوا المئات أو الآلاف أو الملايين من البشر، لم يكن لديهم شعور بحجم المرض المصابين به ونوع الجريمة المرتكبة، لأنهم ناقلون للموت الجماعي، كما فعل الطيار الذي ألقى بقنبلته النووية فوق هيروشيما، لم يكلفه ذلك سوى التحليق وتحريك عتلة لفتح بوابة لإلقاء القنبلة، وكذلك من أصدر القرار وأمر به وخطط له، كما كان احتلال العراق. الذين قتلوا الأمة العراقية وفتتوا وجودها، هم الذين يحتمون داخل أسوار “المنطقة الخضراء” ومعناها عند الفيتناميين “البيت سيء السمعة”.
حان موعد ردم هذا المستنقع الأميركي الراعي الرسمي لكل أوبئة وأبواق الأطماع الفارسية في العراق، والذين يعترفون باجتياح حدوده الرسمية مسافة 40 كم بحجة دفع الأذى عن بلادهم بوجه داعش واعتبار العراق ساحة عمليات متقدمة لأمنهم القومي.
أغرب شيزوفرينيا في العراق وسوريا المنكوبتين، أن ترى حاكماً ينبه مواطنيه بعدم التدخين لأنه يضر بصحتهم وبراميله ومدافعه تدخن ليل نهار بصحة الشعب.
(المصدر: العرب اللندنية 2016-05-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews