ليس مجرد فريق فاز بالدورى الإنجليزى..!

أسدل الستار أمس على ملحمة الدورى الإنجليزى فى موسم دخل التاريخ بفوز فريق مغمور بالبطولة للمرة الأولى فى تاريخه.. عاشت مدينة ليسترسيتى الإنجليزية حلماً تصاعد وتصاعد حتى حصد فريقها اللقب فى أقوى دوريات العالم بعد ١٣٢ عاما على تأسيس النادي. الثعالب كما يطلق تقليديا على فريق ليسترسيتى قهروا المستحيل وفقا لفيلم وثائقى تبثه غداً هيئة الإذاعة البريطانية وسط اهتمام محلى ودولى غير مسبوق عن بطولة وقصة وراء تلك البطولة، أو كما قالت مجلة "إيكونومست" فى تقرير لها أن الفريق المتواضع صنع ابتسامة "جماعية" على وجوه الإنجليز كلهم يوم الثالث من مايو عندما حصد اللقب قبل نهاية البطولة بأسابيع بعد أن كانت المراهنات عليه «٥٠٠٠» إلى «١» بشأن فرص حصوله على اللقب-الحلم!

فى الثلاثينات من القرن الماضى كانت "ليسترسيتي" ثانى أغنى مدينة فى أوروبا وكان لقبها المدينة التى "تكسو" العالم حيث كانت رائدة فى صناعة الجوارب والأحذية وفى الثمانينات تدهور الحال بالمدينة التى تؤوى أكثر من ٣٠٠ ألف شخص بعد أن انتقلت الصناعات التى تتقنها إلى الخارج وأصبح سعر المنتجات أرخص فى مراكز الإنتاج الجديدة لكن المدينة الإنجليزية لم تستسلم وأعادت بناء الاقتصاد المدمر وطورت ثقافة "ريادة الأعمال" حتى أصبحت تملك أسرع معدل نمو للأعمال التجارية خارج لندن، وارتفع معدل القيمة المضافة، وهو أحد قياسات الناتج الاقتصادي، بنسبة ٢٢٪ بين عامى ٢٠٠٩ و ٢٠١٤ مما ولد مزيدا من فرص العمل وامتص الوافدين الجدد فى المدينة وهو بدوره أدى لزيادة تعداد السكان بنسبة ١٧٪ بين عامى ٢٠٠١ و٢٠١١.

مبعث الدهشة فى صعود فريق من مدينة لا تحمل شيئا مميزا اليوم فى كونها حالة تلخص تحديا لـ "الموديل" أو النموذج الذى يتسيد العالم فى العقود الاخيرة حيث يسير الكل وفقا لقواعد مرعية تتحكم فيها شركات عملاقة ومليارديرات كبار يرسمون طريق الصناعة من الحديد والصلب إلى كرة القدم ويحصدون المليارات من المنافسة الشرسة، ولا تخرج استثناءات على الموديل إلا قليلاً ومنها ربما ما حدث فى حالة فريق ليسترسيتى فقد اشتراه ملياردير تايلاندى غير مشهور إعلاميا، لم يهتم بجلب النجوم العالميين لكنه اهتم ببناء مدرسة للكرة وإقامة بنية تحتية تخرج أبطالا وجاء بمدير فنى كان يتوق للفوز بلقب كبير يضعه فى تاريخه الشخصي. من الأشياء الجميلة أن الملياردير التايلاندى "فيشاي" أطلق على الفور مسابقة خاصة للموهوبين فى بلده الأصلى للاستفادة من الحالة التى صنعها ليسترسيتى ثم انفتحت شهية الرجل أكثر وقرر التبرع لمشروع توسعة مستشفى فى المدينة بمبلغ مليونى جنيه إسترلينى «حوالى ٢٥ مليون جنيه مصرى».

وخارج ملعب كرة القدم أيضا قصة تطور مجتمع صغير توج إعادة الإحياء بالبطولة الرياضية، يقولون إن المدينة طورت من نفسها على مستوى التعليم لتصبح جامعاتها بمثابة "حضانات" لمشروعات الشباب، وهى من مدن قليلة فى إنجلترا أصبح المواطنون "غير البيض" فيها يمثلون أغلبية لكنها أيضا واحدة من خمس مدن إنجليزية تنتخب عمدتها بالاقتراع المباشر لسكانها. يصف أدريان بارتون مدير الابتكار فى شركة عالمية ما جرى فى معجزة "ليسترسيتي" بأنه ارتكز على قيمة "الإيمان" بما يمكن أن يفعله أعضاء الفريق معا، وعندما يجمتع الفريق كـ "حزمة" واحدة فإن المجموع الكلى دائما أكثر بكثير من مجرد "تجميع أجزاء" معاً.. وهو ما يراه التعريف الأدق لفريق العمل .. ونتيجته أن ليسترسيتى صار علامة فارقة فى تاريخ الكرة العالمية والإدارة الناجحة التى تقهر المستحيل وأطلقت مقارنات كثيرة بين أداء "ليستر" وكثير من السياسيين من دونالد ترامب فى أمريكا إلى ديفيد كاميرون فى بريطانيا. ويرى بارتون أن الإيجابية والشعور بالدافع المشترك هو ما جعل الكثير من العلامات التجارية وغير التجارية قصصا ناجحة وملهمة وبدون الإيجابية لا يمكن الحديث عن روح الفريق وقصة بطل الدورى الإنجليزى هى قمة الإيجابية التى تحتاج إلى بحث ودراسة. قصة ليسترسيتى ليست عن كرة القدم وحدها ولكنها قصة صناعة النجاح عندما تؤمن جماعة من البشر بأن المستحيل مجرد كلمة قابلة للهزيمة..

تشير الأرقام الأخيرة بعد إعلان بطل الدورى أن الجمهور فى حوالى «٦٦ دولة» يقوم اليوم بشراء قمصان وهدايا أخرى تخص ليسترسيتى - أكثر من ضعف عدد الدول التى طلبت شراء قمصان الفريق فى بداية الموسم- وهو ما يعنى ببساطة أن النادى المغمور أصبح قصة ملهمة للشباب فى جميع أنحاء العالم بعد أن دخل التاريخ من باب قهر المستحيل!

فى وصف البطولة الاستثنائية قال رئيس الفيفا جيانى إنفانتينو: "إنها واحدة من تلك القصص الجميلة التى تسطرها كرة القدم وحدها، والتى لم يكن أحد يعتقد أنها قابلة للحدوث فى بداية الموسم ، إنها القصة التى جعلت، ليس فقط مشجعى ليستر سعداء جدا ولكن جميع مشجعى اللعبة.. هذا هو سحر كرة القدم ".

(المصدر: الأهرام 2016-05-16)