الدولار يستيقظ من سباته ويطلق هديره المألوف
هناك شيء ما آخذ في التحرك في غابة العملات، والذين يعرفون تضاريسها بشكل أفضل يتساءلون ما إذا كان الذي يتحرك هو ذلك الوحش الجبار المسمى الدولار.
بعد أسابيع من البقاء منخفضا عقب فترة طويلة من الضعف، نبدأ الآن في سماع دمدمة من هديره المألوف، رغم أن الصوت ربما يكون بعيدا. ففي الأسبوع الماضي ارتفع المؤشر الذي يقيس قيمة الدولار مقابل سلة من أقرانه الرئيسيين، في الوقت الذي ترتفع فيه أيضا العوائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات.
يقول ستيفن إنجلاندر، وهو مختص استراتيجي للعملات الأجنبية لدى "سيتي جروب"، "هناك حجة يمكن التقدم بها تفيد بأن الدولار وصل إلى أدنى مستوى له، على الأقل مقابل اليورو والين".
وانخفض مؤشر الدولار أكثر من 5 في المائة خلال أول 15 أسبوعا من العام الجاري. ومنذ ذلك الحين استرد ربع تلك الخسارة تقريبا، على الرغم من أنه عاد إلى موقفه الدفاعي منتصف الأسبوع الماضي.
وعقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأربعاء الماضي، أبقى "الاحتياطي الفيدرالي" أسعار الفائدة بين 0.25 في المائة و0.50 في المائة وهو مستوى يحتفظ به منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
ولاحظ البنك تحسنا في الظروف، لكنه أشار إلى أنه سينتظر وصول معدل التضخم إلى 2 في المائة. وقال إنه "سيراقب عن كثب التقدم الفعلي، والمتوقع، نحو هدفه المتعلق بالتضخم".
وبذلك تطلق جانيت ييلين، رئيسة "الاحتياطي الفيدرالي"، مرة أخرى على الدولار سهما من تلك السهام المُسَكِّنة التي عملت على ترويض قوته منذ مطلع شباط (فبراير)، مكررة تلك اللهجة التحذيرية بخصوص النمو والتضخم في الولايات المتحدة التي قدمتها خلال خطابها الشهر الماضي أمام النادي الاقتصادي في نيويورك.
والسؤال الذي يبرز عبر مشهد العملات الأجنبية هو ما إذا كان ذلك المُسَكِّن المسالم يفقد فاعليته. ربما يبدو النمو ضعيفا، لكن بانك أوف أمريكا ميريل لنتش هو من بين تلك المصارف التي تتعقب الاتجاهات العامة التي تشير إلى ارتفاع التضخم واتجاهات الأجور واستمرار نمو فرص العمل.
ما يضيف إلى هذا المزيج هو الظروف الأكثر اعتدالا المتعلقة بالنمو في الأسواق الناشئة، وسوق الأسهم القوية، والأخبار الأفضل الآتية من الصين، والاندفاع المتواصل في مجال النفط. الآن تشتد قوة الحجة الداعية إلى حدوث ارتفاع آخر في أسعار الفائدة في حزيران (يونيو)، والرسالة المقدمة للمستثمرين هي أن الذين يشعرون بنوع من الرغبة في المخاطر ينبغي لهم النظر في شراء الدولار لأفق زمني أطول.
وتبرز ثلاثة أسباب أمام المستثمرين حتى يكونوا أكثر تفاؤلا إزاء الدولار، بحسب ما تقول جين فولي، المختصة الاستراتيجية لدى "رابو بانك". وهذه الأسباب هي أن شهية المخاطرة آخذة في الازدياد، وأن أعضاء اللجنة الفيدرالية يصدرون مزيدا من الأصوات حول احتمالات رفع أسعار الفائدة في حزيران (يونيو)، وتم تقليص تعاملات الدولار المتفائلة مرة أخرى لأكثر من عام.
وتقول فولي "إن "الاحتياطي الفيدرالي" هو البنك المركزي الرئيسي الوحيد الذي من المحتمل أن يرفع أسعار الفائدة هذا العام، في حين إن مزيدا من التسهيل من قبل أقرانه يفترَض أن يقدم الدعم للدولار".
ما يجعل المستثمرين يترددون هو شعورهم بأن ييلين ستبقى حريصة على عدم تأجيج الاضطرابات في السوق مجددا.
يقول تشارلز سانت آرنود، مختص استراتيجي في العملات الأجنبية لدى "نومورا"، "نظرا لمقدار الغموض هناك، حاولت المصارف المركزية إيجاد بعض الشعور بالاستقرار". وهذا الاستقرار يعود إلى اجتماع مجموعة العشرين في شنغهاي في شباط (فبراير)، الأمر الذي يعتقد بعض المعلقين أنه أوجد هدنة بين المصارف المركزية للامتناع عن مزيد من الإضعاف لعملاتهم.
ويضيف "إذا كنتَ شركة، فأنت ترغب في وجود أسعار صرف مستقرة نسبيا من أجل رسم الخطط الخاصة بك". والمعضلة التي تعانيها ييلين هي أنه إذا كانت الظروف تستحق بالفعل إحداث تحول في النظرة المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي، كيف يمكنها فعل ذلك دون إحداث اضطراب في السوق؟
ويعتقد كثير من المعلقين أن ما يثير اندفاع النفط إلى أعلى هو ضعف الدولار، وهذا بدوره يعزز السلع وعملات الأسواق الناشئة. إذن، من المنطقي أن انتعاش الدولار من شأنه أن يعمل على خفض أسعار السلع وإحياء المخاوف المتعلقة بالعملة الصينية.
ويحذر كيت جوكس، المختص الاستراتيجي لدى "سوسييتيه جنرال"، قائلا "أوقع "الاحتياطي الفيدرالي" نفسه في مأزق". ويضيف "احتمالات رفع أسعار الفائد في حزيران (يونيو) انخفضت الآن بنسبة 20 في المائة وليس بإمكان اللجنة الفيدرالية الإشارة إلى أي تحرك دون استثارة اضطراب في السوق".
ويتوقع صناع السياسة حدوث ارتفاعين في أسعار الفائدة في عام 2016، في حين إن سوق السندات لا تحتسب أي ارتفاع. ويتساءل إنجلاندر، "ماذا لو قدم "الاحتياطي الفيدرالي" ما كان يقول إنه سيقدمه؟ هل سينهار كل شيء، أم أن السوق ستكون أكثر مرونة في تلقي المفاجآت"؟
وحذر من أن السوق ينبغي لها بالتالي التنبؤ بأن "الاحتياطي الفيدرالي" سيخيب آمال مستثمري الدولار، ولهذا السبب "ستنعم الأسواق الناشئة والعملات بأسبوع جيد".
عند حد معين ربما ينهار شيء ما، رغم أن الدولار الذي قطع طريقه خلال عام 2016 وهو في حالة غفوة ربما يستمر في الانتظار وترقب التطورات. على أي حال، ينبغي للغابة توخي الحيطة والحذر - الدولار آخذ في الانتعاش ويستعد لمسيرة مستدامة.
(المصدر: فايننشال تايمز 2016-05-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews