جنيف : مفاوضات في العلن وتقسيم في الخفاء
لم يكد يمضي بضعة أيام على تصريح أحد مسؤولي ما يعرف بهيئة الخارجية في عين العرب " كوباني " لوكالة رويترز عن قرب اجتماع سيعقده الاكراد في سوريا لتقرير مصيرهم بأنفسهم ، حتى عقد في بلدة رميلان في الحسكة مؤتمر انفصالي كردي بحث قيام نظام فيدرالي يمكن الأكراد من حكم أنفسهم بأنفسهم ضمن الأراضي المترامية التي سيطروا عليها عسكريا بمساندة قوية من الطائرات الأمريكية ، وذلك لتمكينهم من تحقيق حلمهم في الإستقلال عن " العرب " الذين يعتبرونهم ألد أعدائهم لأسباب تاريخية لا مجال للخوض فيها ، .
فقد عقد ما يقرب من 200 مندوب يمثلون ثلاثة أقاليم شمال سوريا تضم مدن القامشلي والحسكة ومنطقة عفرين القريبة من البحر المتوسط مؤتمرهم المذكور في غمرة ردهم على استبعادهم من مباحثات جنيف ، وفق ما قاله مسؤولوهم السياسيون عبر منابر إعلامية مختلفة .
وإذا كان شكل الحكم في سوريا أمرا يقرره السوريون مجتمعين ، فإن اجتماع هؤلاء منفردين قبيل مؤتمر جنيف بأيام له دلالاته في السياسة والديموغرافيا ، ولكن الذي يعنينا في هذا الأمر ، هو أن هؤلاء ما كان لهم أن يجتمعوا إلا بمباركة الخارج وتخطيطه الخبيث لتقسيم سوريا ، فجاء عقد المؤتمر بُعيد إعلان روسيا بدء الإنسحاب بأربعة أيام ، ولهذا مغزى لا يمكن تجاهله .
وإذا صحت مصادر الإستخبارات الإسرائيلية ، وفق ما سربت عنها صحف إسرائيلية نهاية الأسبوع ، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، هو الذي يقف وراء هذا الإعلان الإنفصالي ، بل إنه وعد الأكراد بتغطية جوية إذا تعرضوا لهجوم تركي .
وإذا نظرنا نظرة متفحصة للمنطقة التي أعلنها الأكراد خالصة بهم وبعرقهم بدعم شبه صريح من الروس ، وتأييد " مبطن " من الولايات المتحدة ، فسنجد أن حدود هذا الإقليم الكردي يغطي 500 كيلو متر طولا مع الحدود التركية ، وللتذكير ، فإن الخريطة الكردية هذه تم الإعلان عنها في العام 2012 ولكن أحدا - حينها - لم يعرها اهتماما وقد آن الأوان لتنفيذها كما يبدو ، مما يؤكد بأن هناك مخططا دوليا يشرف عليه الروس والأمريكان يقضي بتقسيم سوريا ، ويؤكد في الوقت نفسه ، أن كل هذه المفاوضات التي تجري في جنيف ليست سوى ذر للرماد في العيون .
ولأنه لم يكن مقبولا أن يذهب وفد المعارضة إلى جنيف تحت القصف الروسي ، ولتسويغ الذهاب ، اتفقت واشنطن وموسكو على أن توقف الأخيرة الغارات ولا بأس من أن تعلن الإنسحاب ، وهكذا كان ، أما على الأرض ، فهناك أقاليم تنشأ ، وأقاليم يُعلن عنها ، وتقسيم يجري رسمه بخبث على قدم وساق .
أما تركيا فإنه لا يخشى عليها استمرار التفجيرات والعمليات الإرهابية في شوارعها فقط ، بل أن يكون قد آن الأوان للواء الأسكندرون أن يتحد مع "سوريا المفيدة " ، ألتي تضم دمشق واللاذقية وساحلها وجبالها ، بمعنى: تقسيم تركيا نفسها ، ومن ثم الإتيان على الأناضول بالكامل جنوب شرق البلاد .
ولئن قال قائل : من يضمن أن يحصل ذلك ، فإن هذا السؤال يواجه بسؤال أكثر دقة ضمن هذا الذي يجري : من يضمن أن لا يحصل ذلك؟ .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews