التدخل الروسي في سوريا وتوزيع الأدوار !

لم يشهد التاريخ المعاصر جريمة صمت كالتي شهدناها ونشهدها في سوريا الآن ، حيث تكالبت كل قوى الظلم والعدوان ضد شعب أعزل يذبح ليلا نهارا في بث حي ومباشر من المدن والقرى والأرياف السورية إلى أجهزة اللواقط في مختلف عواصم الغرب والشرق على السواء .

لقد بات في حكم المؤكد الآن ، أن السوريين يتعرضون لمؤامرة دولية بإدارة الدول الكبرى لمنع هذا الشعب من نيل حريته أو حكم نفسه بدون أوصياء ، وكأنه كتب على السوريين أن يعيشوا عبيدا إن لم يكن لآل الأسد فللنفوذ الإيراني ، ولم يكن ينقص هذا الشعب سوى طائرات السوخوي الحديثة والقوات البحرية الروسية وأسطول البحر الأسود الذي أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنهما سيكونان رافدين معززين للقوات في اللاذقية ولحماية القواعد في طرطوس .

وبدورهم ، تدفق مئات الجنود الإيرانيين على سوريا منذ أيام ، ولربما وصلت الأعداد إلى الآلاف الآن ، وكأن لسان حال خامنئي يقول : إذا كنتم أيها العرب تدخلتم في اليمن بدعوى حماية النظام الشرعي ، فإننا نرد عليكم بنفس الحجة ، وبشكل علني هذه المرة ، ولكن أهدافنا مختلفة .

وإذا نظرنا مليا لما يجري ، فإن ما قلناه في مقال الأسبوع الفائت عن تنسيق إسرائيلي روسي وضمنا إيراني عززته صحيفة هآرتس في تقرير لها قبل أيام ، بل إن الإذاعة العبرية بثت تقريرا بتاريخ 1 - 10 - 2015 رصده موقع جي بي سي نيوز تحدث عن زيارة مرتقبة لنائب رئيس أركان الجيش الروسي الثلاثاء القادم إلى تل أبيب للقاء نظيره الأسرائيلي ، وأن المسؤول العسكري الروسي سيكون بصحبته وفد عسكري رفيع للوقوف على تفاصيل التنسيق حول سوريا ، ولا بأس هنا من اقتباس تقرير بثته مواقع وقنوات إسرائيلية عدة أبرزها : معاريف+القناة الإسرائيلية 1 +غلوبس+إسرائيل اليوم2 حول هذه القضية ، حيث تقول المحافل الإسرائيلية الأمنية : " أن النتيجة المؤكدة للتدخل الروسي في سوريا هو تحسين المكانة الإستراتيجية لإسرائيل بشكل غير مسبوق " .

ونقلا عن مصادر استخبارية أقتبس ما كشفه المختص بالقضايا الأمنية يوسي ميلمان، نقلا عن المحافل الأمنية ذاتها : " إن تكثيف التدخل الروسي في سوريا، يحقق هدفا استراتيجيا إسرائيليا من الطراز الأول، يتمثل في إطالة أمد الحرب، الأمر الذي يعني إرهاق جميع الأطراف بشكل يخدم في النهاية المصالح الإسرائيلية " .

وأضاف : " أن إطالة أمد المواجهة الدائرة في سوريا سيفضي إلى تقليص فرص تورط "إسرائيل" بشكل مباشر ، ما يمكّن تل أبيب من تحقيق مصالحها بصمت، ودون دفع أثمان سياسية وأمنية كبيرة " .

وأكد ميلمان على : " أنه بات في حكم المؤكد أن هناك تقاسم أدوار بين الأمريكيين والتحالف الدولي من جهة، وبين القوات الروسية، حيث يقوم التحالف باستهداف تنظيم الدولة " داعش " في حين يستهدف الروس قوات المعارضة المسلحة " .( انتهى الإقتباس ) .

والنقطة الاخيرة : تقاسم الأدوار ، كشفته تسريبات من واشنطن نشرت السبت حينما خرجت أمريكا بقرارات مضحكة ، تتعلق بتزويد الأكراد بالسلاح ،وليس المعارضة المعتدلة ، بل إن المواقف الأمريكية تؤكد أن واشنطن غيرمقتنعة هي الاخرى بوجود معارضة معتدلة ، وسبقت موقفها هذا بتصريحات أطلقها البنتاجون الأسبوع الفائت عن أن الفصيل الذي دربته واشنطن في تركيا وزودته بالسلاح قام بتسليم هذا السلاح الأمريكي الحديث إلى جبهة النصرة ، وهو تمهيد - كما يبدو - للموقف الأمريكي الراهن الذي هو منحاز بالمطلق للأكراد وليذهب السوريون العرب إلى الجحيم .

كما وإن الأمر تعدى أبعد من ذلك ، حينما فضحت وزارة الدفاع الروسية نظيرتها البنتاجون وبثت تسجيلا عن اتصالات مباشرة بين وزارتي الدفاع في البلدين عبر دوائر مغلقة حيث تم الكشف عن تنسيق العمليات الروسية في سوريا مع الجانب الأمريكي ، وهذه المشاهد بثتها قناة الجزيرة الأسبوع الماضي عبر نشرة أخبار مسائية ، حيث ظهر ضباط روس يجلسون إلى مناضد ويدونون ملاحظات ، بينما يظهر عبر الشاشات المعلقة في نفس الغرفة عسكريون أمريكيون يبادلونهم النقاش والحوار ، وعليه : فإن أي تصريحات أمريكية بمناوءة التدخل الروسي لم تعد تنطلي على أحد ( إلا تلك الخطوات التي قد يتجاهل فيها الروس مصالح الأمريكان الإستراتيجية ) فقد خرج الأمريكان السبت كما قلنا بقرار تزويد الأكراد بالسلاح " لبدء الهجوم على الرقة " ، أي أن اقصى ما فعله الامريكان ليس تسليح المعارضة المعتدلة ، بل تسليح وحدات الحماية الكردية المتحالفة معهم ليس أكثر ، مما يؤكد بأن هذه الوحدات لن تتعرض لأي قصف روسي في أي من مواقعها مع أنها تنشد الإنفصال عن الوطن السوري ، مما يضع تساؤلات على مزاعم الروس والأمريكان والإيرانيين في الإبقاء على وحدة الأراضي السورية .

ولكن : هل سينجح الروس في مهمتهم ، ويهزمون الثورة السورية ويهيمنون مع إيران على البلد ؟ .

المعطيات الإقتصادية الروسية تؤكد بأن الروس لن يكون بإمكانهم تحمل عبء التكلفة التي سيدفعونها ، وإن اقتصادهم سيعجز عن تمويل أي تدخل عسكري طويل الأمد في سوريا ، ونحن لا زلنا الآن في بداية التدخل .

أما العراق ، المستعمرة الإيرانية " العصية "على إيران بسبب الثورة السنية ( ليس بالتأكيد بسبب داعش ) فإن من تابع خطبة ممثل السيستاني يوم الجمعة يدرك أن المرجعية الشيعية وافقت كما يبدو أن يطلب حيدر العبادي رسميا مساعدة روسية في قتال داعش ، وذلك أن خطبة الجمعة هذه ، لم تخل من إشارات واضحة تبارك " أي جهد من أي كان ، يصب في مصلحة هزيمة التنظيم " وهو ما التقطه رئيس الحكومة السبت وعلق عليه بالإيجاب ، ولا يخفى على المراقب أن غرفة عمليات بغداد التي يشترك فيها النظام السوري والأيرانيون وعما قليل العراق بقيادة روسية ، لم تكن لتكون في بغداد لولا هذا التوافق المطلق بين هذه الجهات الأربع ، ومن يقول بأن هذه الغرفة شكلت بعيدا عن العيون الأمريكية يكون ساذجا وسطحيا ولا يعرف كيف تدار الملفات الصعبة لدى الدول العظمى .

وإذا كان الروس أعلنوا أنهم قدموا للحفاظ على النظام وحماية الأسد ، وأخفوا مصالحهم الحقيقية ، فإن الإتفاق النووي جعل هذا الأمر يتقاطع مع أغلب المواقف الأوروبية التي باتت تؤكد على ضرورة بقاء النظام ، كنظام ، ولا بأس من تغييب ممثل النظام وهو بشار ، ولكن يجب الإبقاء على " السيستم " من : جيش ومؤسسات أمنية وخلافها ، وهو ما يتناقض جذريا مع ما يطلبه السوريون وثاروا من أجله ، وجرت كل هذه التطورات بعد أن فوجئ الإيرانيون بأن مشروعهم في اليمن والذي كانوا يرغبون بمقايضته بسوريا تم إفشاله ، فوجدوا انفسهم مجبرين على الدخول العسكري المباشر مع حلفائهم ، دون أن ننسى بأن هذه المقايضة ( اليمن بسوريا ) كانت ستتم بموافقة الروس أيضا حيث كانت وفود روسية رسمية تزور صعدة وتلتقي عبد الملك الحوثي ، ولكن عاصفة الحزم التي أفشلت هذا المشروع جعلت الطرفين يتحالفان عسكريا وعلنا في سوريا ، وهذا ما نشهده في هذه الأثناء .

من أجل كل ما سبق ، فإنني أختلف تماما مع القراءات التي تقول بإن الروس سيفرضون حلا في سوريا بعد أن فشل الغرب وأمريكا ، ذلك أن مصالح روسيا ليست في استقرار سوريا أو غيرها ، بل بموقعها ، بدليل أنهم لو أرادوا استقرار هذا البلد لضغطوا على الأسد منذ البداية ليتنحى ، ولما استخدموا الفيتو عدة مرات ،ولكانوا ساهموا في إيجاد حل سلمي حينما كان السوريون يهتفون لستة شهور كاملة بدون سلاح : " الشعب السوري واحد " ، فلقد كان بإمكانهم فعل ذلك ، ولكن التدخل الروسي جاء لغاية قلناها قبل قليل ، ويبدو أن ما يختلج الآن في رأس بوتين وخامنئي هو أن فكرة التقسيم قد نضجت وحان وقت قطافها .

العالم كله حاضر في ما يجري وعلى تماس معه وبه من أقصى الأرض إلى أقصاها ، باستثناء منطقة واحدة على الخارطة ، تدعى : " الوطن العربي " .

أين العرب من هذه التطورات ،أين الجامعة العربية ؟؟ .

سؤال برسم إجابة لن تأتي للأسف .

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv